جنون العظمة مرض العصر الذى لا شفاء منه إلا بتطهير الروح
![هتلر](https://watanimg.elwatannews.com/image_archive/840x473/12415376821466279274.jpg)
هتلر
يجد البعض فى أيام وليالى شهر رمضان، فرصة للمراجعة والمحاسبة الدينية والمجتمعية، محاولين التراجع عن بعض الصفات المنبوذة التى تلحق بهم، وعلى رأسها جنون العظمة أو «البارانويا»، بعضهم ينجح فى التخلص منها عن طريق «روحانيات» الصيام، أما البعض الآخر فسرعان ما يعود إلى ما كان عليه قبل شهر رمضان الكريم، دون أن ينجح فى تطهير روحه من السقم النفسى، الذى قد يتحول إلى عضوى ويستلزم التدخل الطبى.
ويرى الدكتور على الشامى، إخصائى الطب النفسى، أنه يوجد فرق بين جنون العظمة المرضية الذى يتطلب التدخل الطبى لعلاجه، وشعور البارانويا، الذى تعانى منه شريحة كبيرة من الشعب المصرى، والذى لا يحتاج إلى زيارة الطبيب، ولكنها تحتاج إلى مصارحة المريض لنفسه، والاعتراف بمرضه النفسى، وفى حالة حدوث ذلك، تكون الخطوة الأولى فى طريق العلاج.
«الشامى»: الشخصية المصرية ترى فى نفسها عبق التاريخ.. و«علام»: مرض وراثى والشخص المصاب يحس دائماً بـ«الانفرادية».. و«فكرى»: الأزمة فى «الضلالات»
وأضاف «الشامى» أن أهم الأعراض التى تظهر على الشخص المصاب بجنون العظمة تتمثل فى المعاناة الدائمة للشخص المصاب من إحساس الاضطهاد، والنظر الدائم للمحيطين به على أنهم أقل منه فى كافة الصفات الإنسانية مثل الذكاء والقوة، ومن يتحول إلى شخصية متعالية، عملاً بالمثل الشعبى «كل واحد فى نفسه سلطان»، وقد يتطور بعد ذلك إلى اضطرابات نفسية وهلاوس، الأمر الذى يؤثر بالسلب على صحة المريض العضوية، وانخفاض إنتاجه، نتيجة ظهور أمراض جسدية ونفسية متطورة مثل الإحساس بمراقبة المحيطين له، والشعور الدائم بالخوف.
السبب الرئيسى فى إصابة الشخص بجنون العظمة، من وجهة نظر إخصائى الطب النفسى، يرجع إلى أن الشخصية المصرية دائماً ما ترى فى نفسها عبق التاريخ، وأنها أفضل شعوب الأرض، وغيرها من الصفات المتوارثة عن طريق «الحكاوى» مثل أن «الطفل المصرى أذكى طفل فى العالم»، و«إحنا أصحاب الحضارات»، و«الأكل بتاع أوروبا إحنا اللى كنا بنبعته لهم»، مما يؤثر عليه بالسلب، ويجعله دائم البحث عن أى صفات «تراثية» تمكنه من التباهى على من حوله، وفى حالة تحقيق هذا الشخص أى نجاحات على أرض الواقع فى مجالات حياته اليومية، تساعد المريض فى التمكن من شخصيته بصورة كبيرة، نظراً لارتفاع «الأنا» لديه بشكل مبالغ فيه.
أما الدكتورة ألفت علام، استشارى علاج نفسى وإدمان، فتقول إن أسباب الإصابة بالمرض، تكون فى بعض الأحيان وراثية، نظراً لنشأة الفرد فى بيئة يصاب غالبيتها بجنون العظمة ويتعاملون فيما بينهم بكبر، والحط من أوضاع ومستويات الآخرين، الأمر الذى يجعل نموذج التربية الخاص به يحتوى على أنماط تلك الشخصية، بجانب صفات أخرى مكتسبة قد تشعر الشخص المصاب فى بعض الأحيان بأنه كنز، يصعب على المحيطين به فهمه أو الاستفادة منه، وفى بعض الأحيان يتسبب عدم الاكتشاف المبكر للمرض ومحاصرته فى تفاقمه دون أن يدرك المصاب ولا المحيطون به حقيقة إصابته.
وأضافت «علام» أن أهم ملامح ظهور المرض على الشخص المصاب تتمثل فى إحساسه الدائم بـ«الانفرادية»، وأنه الشخص الوحيد الذى يمتلك الحقيقة الكاملة، لذا فهو يرى كافة معارضيه متآمرين عليه، وأنهم يسعون لهدم نجاحاته المزعومة، بجانب إحساسه الدائم بالانشغال والخوف الداخلى، وفى بعض الأحيان انتظار الإصابة بمرض خطير ينهى حياته بعد مراجعته الدائمة للأمراض التى أصيب بها المحيطون به، ومن ثم دوام التفكير فى الموت ومظاهره، الأمر الذى قد يترجم بعد ذلك بأمراض عضوية مثل قرحة المعدة فى أحيان كثيرة، وهنا لا بد من اللجوء إلى العقاقير والأدوية الطبية للسيطرة على تلك الحالة «البارانوية» قبل أن تخرج عن سيطرة الطبيب وتؤدى بالمريض إلى مراحل مرضية أكثر تقدماً.
ويلخص الدكتور محمد فكرى، أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس، أزمة المصابين بمرض العظمة فى «الضلالات» أو الأفكار المغلوطة التى تسيطر عليهم، حيث يرى الشخص المصاب أن جميع أفكاره صحيحة وصائبة وغير مسبوقة، ولا يكترث كثيراً برفض المحيطين به لتلك الأفكار، حيث يرى فى نفسه قوة خارقة، قد تتحول فى بعض الأحيان إلى عبارات خرافية، مثل «أنا المهدى المنتظر، أنا اللى هحرر القدس» وغيرها من وهم الاختراعات الحديثة التى لا يوجد لها أى أساس علمى أو نظرى، فقط يقوم ببنائها داخل مخيلته.
وأضاف «فكرى» أن مريض «العظمة» فى حاجة ملحة إلى مساعدة الغير له، حتى يتمكن من عبور أزمته، وذلك عن طريق عدم الاستسلام لأفكاره المغلوطة، ومحاولة إثبات فشلها له بشكل مستمر من خلال أسس عملية ونظرية صحيحة، بجانب الحصول على جرعات دوائية لعلاج الخلل فى مادة الدوفامين بالمخ، حتى تعود إلى طبيعتها مرة أخرى، لأنه لا يستطيع العلاج النفسى فقط عن طريق الطب النفسى، نظراً لأن إصابته فى الأساس تكون عضوية وليست سيكولوجية.