الإسكندرية.. «لا أحد ينجو من الإهمال».. شعار المستشفيات الخاصة
محافظ الإسكندرية يتابع الخدمات المقدمة للمرضى بأحد المستشفيات
«لا أحد ينجو من الإهمال الطبى حتى لو دفع الآلاف»، هكذا هو حال مرضى المستشفيات الخاصة فى الإسكندرية، فشهرياً يصرخ مريض قاده خوفه من العلاج داخل مستشفى حكومى حتى لا يكون مصيره الموت وجمع كل ما يملك ووصل الأمر إلى الاقتراض، للعلاج فى مستشفى خاص، ليفاجأ فى النهاية بأنه وقع ضحية لجريمة «إهمال طبى» كادت تودى بحياته، لكنه «إهمال مدفوع الأجر»، ولم يعد الإهمال قاصراً على المستشفيات الخاصة الصغيرة نسبياً، أو تلك التى تنتشر فى بعض المناطق العشوائية، بل وصل إلى أكثر المستشفيات الخاصة شهرة بالإسكندرية.
أحد المستشفيات الخاصة الشهيرة بمنطقة «رشدى»، شرق المدينة، كان مثاراً لحديث العامة مؤخراً، بسبب وقائع الإهمال الطبى التى تكررت فيه، خاصة أنه يعمل منذ 18 سنة، وتتراوح تكلفة عملية الولادة القيصرية فيه بين 5 و10 آلاف جنيه، أحدث تلك الوقائع كشفت عنها استغاثة أرسل بها أهل مريضة تُدعى «أميرة مدحت» إلى مديرية الصحة، بعد تحرير محضر بقسم شرطة «سيدى جابر»، يحمل رقم 12343 إدارى، عن تعرض ابنتهم لإهمال طبى داخل ذلك المستشفى، وبعد البلاغ فوجئوا بأنها الحالة السابعة فى أقل من شهر، التى تعرضت لنفس الإهمال أثناء إجراء ولادة قيصرية، وليست الحالة الأولى كما كانوا يظنون.
المرضى يقاطعون مستشفيات الحكومة خوفاً من «شبح الموت» ليقعوا ضحايا «الأخطاء الطبية» و«الابتزاز» بالمراكز الخاصة.. و«حجازى»: لا أحد فوق القانون
وبدأت الواقعة عندما حان وقت ولادة «أميرة»، فى أكتوبر الماضى، اختارت أسرتها أكبر وأشهر مستشفى للولادة بالمدينة، واتفقت مع أحد أطباء النساء والتوليد لإجراء العملية، وتم إبلاغ المستشفى بأن المريضة لديها حساسية من غالبية العقاقير الطبية، وبعد الولادة، تعرضت لحالة قىء مستمر وآلام حادة فى البطن، ولكن إدارة المستشفى تجاهلت تلك الآلام، ولم تهتم بها، وقال والد «أميرة»، فى استغاثته إلى مديرية الصحة، إنه فى اليوم التالى لم يهتم أحد بابنته، وأثناء مغادرتها المستشفى شعرت بالتعب الشديد، فتعامل الأطباء معها بـ«عشوائية»، وصرفوا لها بعض المسكنات، مما زاد الحالة سوءاً، وبدأ بطنها فى الانتفاخ.
وتابع «الأب»: وفى اليوم الثالث، تم استدعاء الطبيب الذى أجرى عملية الولادة، فطلب استدعاء أحد أطباء الجراحة، قام بتشخيص الحالة على أنها «انسداد بالقولون»، وذلك بعد 48 ساعة من الولادة، فتم على الفور نقلها إلى المستشفى، حيث أدخلت وحدة العناية المركزة، وعلى مدار 3 أيام، تم إجراء الفحوص والأشعات اللازمة للمريضة، وبعدها قرر الطبيب إجراء عملية جراحية فوراً، وإلا سينفجر القولون.
وقال والد المريضة: «وقتها أكد لنا المدير أن هذه الحالة نادرة، ولم تحدث بالمستشفى منذ إنشائه»، مشيراً إلى أنه بعد الانتهاء من العملية الجراحية واستئصال الجزء الصاعد من القولون، أوضح طبيب الجراحة لهم أن ما حدث هو أن القولون قد توقف عن الحركة، لسبب ما لا يعرفه، وعندما عاد للحركة، فإن جزءاً منه لم يصل إليه الدم، فحدث له شلل ومات، وكان على وشك أن تحدث لهذا الجزء «غرغرينا»، ومن ثم انفجار القولون، لافتاً إلى أن المستشفى أرسل الجزء المستأصل إلى أحد المعامل لتحليله ومعرفة سبب موته، ولكنها لم تبلغ الأسرة بنتيجة ذلك التحليل حتى الآن، وأكد أنه فى اليوم التالى فوجئ بنقل ابنته إلى غرفة العمليات مرة أخرى، واستئصال الجزء الباقى من القولون، وعمل «فتحة شرج» خارجية.
مستشفيات ترفع شعار «الفلوس قبل العلاج».. والصحة: «لا أحد فوق الرقابة»
وفور إبلاغها مديرية الصحة بما حدث لابنتهم، اكتشفت الأسرة أن حالة «أميرة» ليست الأولى، التى تخضع لجراحة استئصال القولون، بعد عملية ولادة قيصرية بنفس المستشفى، وإنما سبقتها عدة حالات أخرى مشابهة، خلال الفترة ما بين 3 سبتمبر و13 أكتوبر 2016.
وفور ورود هذه الشكاوى إلى مديرية الشئون الصحية، تم تشكيل لجنة من إدارة العلاج الحر، وذلك بعد الاطلاع على جميع الأوراق التى قدمتها حالتان، بينهما حالة «أميرة»، تؤكد إصابتهما بموت أجزاء من الأمعاء، بعد إجراء عملية قيصرية بالمستشفى، فكان قرار المديرية بإغلاق غرفة العمليات، ومنع إجراء أى عمليات ولادة قيصرية بها.
كما تحدثت «دينا عاصم»، 25 سنة، إحدى المترددات السابقات على المستشفى، لـ«الوطن»، عن تجربتها السابقة قائلةً: «لو ربنا مكانش كاتب ليا الشفا، كان زمانى واحدة من الحالات اللى اتعرضت للإهمال الطبى داخل المستشفى، أنا كنت هموت فى ولادتى ابنى الأول، بس ربنا كان كاتب لى عمر جديد، وعشان كده رفضت إنى أولد فيه ابنى الثانى، ولجأت إلى مستشفى آخر».
جرائم الإهمال الطبى لم تقتصر فقط على ذلك المستشفى الشهير للولادة، إنما هناك العديد من الوقائع شهدتها مستشفيات ومراكز طبية خاصة أخرى بالإسكندرية، التى لم يصبح الإهمال وحده سمتها المميزة، بل «الابتزاز» هو شعارها الأول، وهناك عدد كبير من تلك المستشفيات لا يردعه وازع من ضمير أو أخلاق عن احتجاز المريض «رهينة»، لحين سداد ذويه تكاليف علاجه، حتى قبل البدء فى العلاج، غير مبالين بما يعانيه من آلام أو معاناة، أو حتى مداهمة الموت له، فالمبدأ الرئيسى الذى يحكم عمل تلك المستشفيات هو «الفلوس قبل العلاج».
من جانبه، قال وكيل وزارة الصحة، الدكتور مجدى حجازى، لـ«الوطن»، إنه وردت شكاوى إلى إدارة العلاج الحر بمديرية الشئون الصحية، بوجود حالات موت أجزاء من الأمعاء واستئصال القولون، وعلى إثر هذا تم تشكيل لجنة من العلاج الحر، ولجنة من كلية الطب، لفحص تلك الحالات، وكذلك فحص غرفة العمليات، للوقوف على أسباب المضاعفات المشكو منها، وتم العرض على المحافظ، الذى أصدر قراراً بالغلق الإدارى لغرفة العمليات بالمستشفى، لحين الانتهاء من أعمال اللجان المشكلة، وأضاف أنه تم التحفظ على سجلات المرضى، لمعرفة عدد العمليات التى أجريت بعد العملية، وذلك للتواصل معهم ومعرفة حالتهم والكشف عليها، وذلك لأنه من الممكن أن يكونوا قد أصيبوا بمثل هذه الأعراض، ولكنهم خضعوا للعلاج فى مستشفيات أخرى، مؤكداً أن هناك حالتين مثبتتين تعرضتا لموت أجزاء من الأمعاء، كما أن هناك العشرات من «الادعاءات»، التى سيتم فحصها من خلال عمل اللجنة.
وأضاف «حجازى» أن فريق العلاج الحر يستطيع دخول أى مستشفى خاص، مهما كانت شهرته، للتفتيش عليه، وقد تصل العقوبات، فى حالة مخالفة أى من الاشتراطات الصحية إلى إغلاقه لعدة شهور، مؤكداً أنه يتابع بنفسه جميع الشكاوى الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعى، والتى تخص المستشفيات الخاصة والحكومية، ويتم مخاطبة المحافظ فوراً من أجل إصدار قرار بإغلاق المستشفى المخالف إدارياً، حفاظاً على أرواح المرضى.
كما أكد «حجازى» أنه «لا أحد فوق القانون، ولن يتم السماح لأحد بأن يخطئ دون حساب»، مشيراً إلى أن «أكبر وأشهر مستشفى خاص تم إغلاق غرفة العمليات الخاصة به، بعد ثبوت واقعتى موت أجزاء من الأمعاء»، مؤكداً أنه يجرى التحقق من سجلات المرضى، بعد ورود «ادعاءات» أخرى من جانب بعض السيدات، وأكد أنه فى حالة ثبوت تلك المخالفات سيتم إغلاق المستشفى بالكامل.