"صفية" 60 سنة وحارس مصنع ببندقية "فشنك": "نفسي أشوف عيالي قبل ما أموت"
صورة أرشيفية
على أعتاب مصنع مليء بـ"شكائر" الأسمنت في منطقة طره، تجلس سيدة تكسو تجاعيد الزمن وحرقة الشمس وجهها، فلا تستطيع أن تفرق بينها وبين الرجل في ملبسها أو مظهرها، حيث الجلباب الصعيدي الفضفاض وغطاء رأس أشبه بالعمامة وبندقية مفرغة من الطلقات لترهب بها كل من تسول له نفسه الاقتراب من المصنع.
هي صفية عبدالرحمن، السيدة الصعيدية التي أتت من أقصى الصعيد لتستقر هي وزوجها في ضجيج القاهرة، فتتحول أحلامها الوردية بعد أن يصفعها القدر على وجهها ويأخذ منها رفيق دربها تاركاً لها 7 أبناء جميعهم من الذكور، يتزوجون واحدًا تلو الآخر ليتركوها بصحبة البندقية كأسد أنهكه الزمن على أعتاب مصنع تُؤمِّنه منذ قرابة 30 عاما.
بدموع لا تعرف إن كانت ناتجة عن كبر سن "صفية" أم بسبب استرجاعها ذكريات أليمة، تتكئ السيدة التي تخطت عامها الـ60 عاماً على بندقيتها، لتتذكر ملامح أسرتها في الصعيد، فتعجز الذاكرة عن استدعائهم: "أنا اتجوزت وأنا عندي 14 سنة، ومن وقتها انقطعت رجلي من قنا معرفش أهلي فين ومين عايش فيهم ومين مات، بس أمي وحشتني".
كبر سن "صفية" لم يكن دافعا لأصحاب المصنع للاستغناء عنها، بل إنهم قرروا مساعدتها منذ أن هجرها أولادها وتُوفي زوجها، فمع غروب الشمس تسلِّم السيدة الستينية ورديتها إلى الحارس الليلي، وتذهب هي إلى غرفتها المجاورة للمصنع: "أنا زمان أيام جوزي ما كان عايش كنت بقعد معاه نتسامر ولما مات كنت برفع شكاير الأسمنت على راسي لحد العربيات ولما كبرت شوية بقيت بحرس المكان بالنهار..."، فتصمت للحظات وكأنها تسترجع شيئا ألمها لا تستطيع أن تعبر عنه قائلة: "الحمد لله رضا".
لم تستسلم السيدة الستينية لضيق الحال وتجوب كغيرها في الشوارع بحثاً عن مدد بعد أن هجرها الأحباب، فهي ما زالت تتمسك بالأصول الصعيدية التي تقدس المرأة وأنها لا يجب أن تُهان حتى وإن كان مصيرها الموت من الجوع: "في بلادنا عيب إن الست تمد إيديها... أنا باكل من عرق جيبيني وهفضل حارس لحد ما أموت".
وتستكمل السيدة الستينية قائلة بنبرة صوت خافت: "نفسي أشوف عيالي قبل ما أموت.. بس هما أكيد نسوا صفية بنت عبدالرحمن".