مدير «مكافحة المخدرات»: انتهاء تجارة السموم بالجعافرة وكوم السمن أدى لتحول خطير فى السوق
اللواء أحمد عمر
«إذا أردت أن تدمر أى شعب على وجه الأرض، فاستهدف شبابه الذين يعدون وقود التنمية فى أى مجتمع».. بهذه الكلمات افتتح اللواء أحمد عمر، مساعد وزير الداخلية، مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، حواره مع «الوطن»، ليستعرض الضربات الموجعة التى وجهها ضباطه إلى مافيا تجارة المخدرات فى البلاد، ويلقى نظرة على «سوق الكيف» فى مصر.
اللواء أحمد عمر لـ«الوطن»: التجار يستخدمون جماجم الموتى لغش الهيروين
اللواء عمر شدد على أن اللواء مجدى عبدالغفار، وزير الداخلية، يولى اهتماماً كبيراً بمكافحة المخدرات، لافتاً إلى أن المصنع المضبوط فى بنى سويف سيكون الأخير، وسنبقى صامدين حاملين أرواحنا على أكفنا فداء لشعب مصر وشبابها.. وإلى نص الحوار
■ حدثنا عن الضربة الأمنية الكبرى التى وجهتها الإدارة لسوق المخدرات فى مصر؟
- هى بالفعل ضربة كبرى فى مقتل لسوق الحشيش والمخدرات فى مصر، وبذلنا فيها مجهوداً كبيراً، حيث تم منذ فترة تشكيل فريق كامل من الضباط يعمل تحت إشراف مباشر من اللواء مجدى عبدالغفار، وزير الداخلية، فى سرية تامة، على التحرى والمتابعة وتجميع المعلومات والبحث عن تجميع أكبر كم من المعلومات حول رجل أعمال أقام مصنعاً لتصنيع مخدر الحشيش بشكل محلى داخل مصر بدلاً من جلبه من لبنان والمغرب وأفغانستان، توصلنا إلى أن أفراد التشكيل العصابى المتهم فى تلك القضية متعددو الجنسية، فمنهم مصريون ولبنانيون ومغاربة.
■ ما بداية الخيط للوصول إلى تلك العصابة؟
- كانت هناك معلومات وردت منذ فترة كبيرة للإدارة العامة لمكافحة المخدرات حول رجل أعمال لبنانى الجنسية من أصل سورى وصاحب مصنع ملابس بالمنطقة الصناعية بالعاشر من رمضان يقوم بجلب شحنات هائلة من مخدر الحشيش من دولتى لبنان والمغرب وتهريبها لمصر، فضلاً عن قيامه بإعداد وتجهيز مصنع لتصنيع المواد المخدرة بهدف مضاعفة كمياته.
■ هل النشاط كان متعلقاً بتجارة الحشيش فقط؟
- لم يكن الحشيش فقط ما يقوم رجل الأعمال اللبنانى بجلبه، لكن كان يجلب معه أيضاً أقراص الكبتاجون المخدر والمطلوب بقوة فى دول الخليج لوضعه فى خلطة أو «طبخة» الحشيش عند إعدادها حتى تعطى تأثير مخدر الحشيش، وقد اتخذ زعيم التنظيم العصابى من المنطقة الصحراوية الواقعة بين طريق الكريمات والزعفرانة، وطريق الصحراوى الشرقى بمحافظة بنى سويف مسرحاً لإتمام عملية إنتاج المواد المخدرة، واستقدموا متخصصين فى مجال تصنيع الحشيش من دولتى المغرب ولبنان لإتمام عملية التصنيع والإنتاج محلياً على نطاق واسع، ونقل كميات كبيرة من مخدر الحشيش والكبتاجون بمخزن كبير تم إعداده بالمنطقة الصحراوية الواقعة غرب الطريق الدائرى الأوسط بالقرب من مشروع مدينتى.
مصر تصنف كدولة «معبر وتخزين» للحشيش.. وضبطنا أول محاولة للتصنيع.. و5 مليارات جنيه إنفاق المصريين سنوياً على «الكيف».. وقضينا على «الترامادول»
■ كيف توصلتم للمصنع إذن؟
- رصدت فرق المتابعة كميات الحشيش المصنعة بمصنع رجل الأعمال، التى كان يتم ترويجها فى أسواق المخدرات بمحافظات القاهرة والشرقية والسويس وجنوب سيناء وبعض محافظات الوجه القبلى، وتركت تلك الشحنات تخرج من المصنع تحت مراقبة وأعين رجال مكافحة المخدرات، ليتم تتبعها حتى تستقر لدى تاجر الجملة وبعدها تتم المداهمة والقبض على تاجر الجملة فى مكانه، وهذا كان بغرض تجميع أكبر كم من المعلومات عن الأسواق التى يصل إليها إنتاج ذلك المصنع.
■ وساعة الصفر؟
- عند تحديد ساعة الصفر تم إصدار إذن نيابة من النائب العام شخصياً، وشكلت غرفة عمليات مركزية وتم تعيين قائد لمجموعة المداهمة، وأمر اللواء مجدى عبدالغفار جميع أجهزة الوزارة وقطاع الأمن المركزى بالتنسيق مع الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بمداهمة مصنع التصنيع وجميع مخازن الحشيش ومصنع ملابس زعيم التشكيل العصابى وفيلاته بمدينتى فى وقت واحد، وبالفعل توجهت جميع المأموريات كما خطط لها وأسفرت المداهمات عن ضبط رجل الأعمال «سليمان. ف. أ» 52 سنة، زعيم التشكيل العصابى وصاحب مصانع ومخازن الحشيش، ونجله «عبدالرحمن. س. ف»، و«على. ط. م»، 27 سنة، و«طلال. م. س»، 56 سنة، صاحب شركة مقاولات ومقيم بمدينة رأس سدر، و«عثمان. ف. ح» 42 سنة، مقاول ومقيم بمدينة مرسى مطروح.
■ وما المضبوطات؟
- تم ضبط 4 أطنان حشيش، و3 ملايين قرص من مخدر الكبتاجون، و52 كيلوجراماً لمادة الإفيدرين، 1034 طلقة عيار 7.62×54، وأكثر من 829 ألف جنيه، وما يزيد على 610 آلاف دولار أمريكى، و102 ألف ريال سعودى، 3 آلاف يورو، و670 جنيهاً سودانياً، و 16 هاتف محمول، وهاتف ثريا، وتابلت، و 6 سيارات، وأدوات تصنيع عبارة عن مولد كهربائى عالى الجهد، مولد كهربائى متوسط الجهد، كمبروسر هواء، و2 مفرمة كهربائية كبيرة الحجم، و2 آلة خلط، وماكينة تصنيع أقراص مخدرة، 5 مكابس هيدورليك، 3 مواتير كهرباء، ثلاجة، تكييفين، كلارك، أدوات تغليف.
■ هل هذه هى المرة الأولى لتصنيع الحشيش فى مصر؟
- نعم هذه هى المرة الأولى التى تتم فيها محاولة تصنيع الحشيش فى مصر بشكل احترافى وكبير، فمصر دائماً كانت تصنف كدولة معبر وتخزين ولم تكن طوال عمرها دولة تصنيع، لكن الإدارة العامة لمكافحة المخدرات رصدت معلومات تفيد بأن هناك محاولات من بعض عصابات وتجار المخدرات الدوليين بتحويل مصر لدولة تصنيع، وتصبح مثل لبنان والمغرب وأفغانستان، لكن هذا لن يحدث وأى محاولة فى هذا الصدد سواء كانت كبيرة أو صغيرة يتم إجهاضها بشكل فورى، وسيتم القضاء والحد من سوق تجارة الحشيش فى مصر مثلما تم القضاء على سوق مخدر الترامادول.
هناك ارتباط بين الاتجار فى المخدرات والسلاح والبشر فكلها جرائم منظمة تستخدم نفس خطوط التهريب
■ هل تدل كميات المخدرات المضبوطة فى مصر على استهداف خارجى؟
- الدول المعادية لمصر لا تحاول استهدافها من خلال العمليات الإرهابية الخسيسة فقط، وإنما أيضاً من خلال تدمير قوتها الكامنة فى شبابها، الذين يمثلون أكثر من 50% من سكانها، لذا فإنهم يلجأون إلى المخدرات لتغييب عقول الشباب المصرى، وهو ما سينعكس سلباً على قدرتهم على العمل والبناء، وبالتالى ضمان وقف عجلة التنمية التى تدور فى مصر حالياً، كما تحاول تلك الدول المعادية لنا أيضاً سحب العملات الأجنبية من السوق المصرية، من خلال تمويل عمليات شراء المخدرات من الخارج، وهو ما يؤدى إلى انعكاسات سلبية على الاقتصاد الوطنى، وخلق سوق موازية للعملة الصعبة، لأن تجار الكيف يلجأون بالطبع إلى السوق السوداء للحصول على العملة الأجنبية اللازمة لتمويل نشاطهم الإجرامى، ولكننا نقف لهم بالمرصاد، وكلنا حاملون أرواحنا على أيدينا لمنعهم من تدمير شبابنا الذى يعد أساس البناء والتنمية.
■ كيف يتم تهريب المخدرات إلى داخل مصر؟
- مخدر الترامادول يتم جلبه بكميات كبيرة إلى البلاد من بلاد آسيوية داخل الحاويات التى تُشحن فى السفن والمراكب، عبر خطة تمويه معقدة، إذ ينقلون الترامادول من بلد المنشأ، ويمرون على عدد من الموانئ، ويغيرون خطوط سيرهم أكثر من مرة، فالحاوية تخرج من بلد المنشأ ببوليصة شحن، ويتم إنزالها فى بلد ما، وتحرر لها بوليصة شحن دولة أخرى، وفى إطار ذلك يتم إنزال الحاويات فى ثلاث أو أربع دول، قبل إنزالها فى الموانئ الليبية، حيث يتم التهريب من ليبيا إلى البلاد على دفعات عبر الصحراء الغربية، وكان المهربون يلجأون قديماً إلى المسارات الساحلية، ولكن مع تشديد الرقابة على السواحل المصرية، بدأ التجار يلجأون إلى تهريبها عن طريق الصحراء، خاصة من الناحية الغربية عبر ليبيا، مستغلين تردى الأوضاع الأمنية هناك، وطول الحدود، إلا أن قواتنا تحبط العديد من هذه العمليات، كما تحاول العصابات تمرير المخدرات من الناحية الجنوبية عبر السودان
■ والحشيش؟
- بالنسبة لمخدر الحشيش يتم تهريبه بالأطنان لكن من بلد منشأ مختلف، إذ يأتى فى الأصل إما من لبنان أو المغرب، وفى الحالتين يسير المهربون به فى أعالى البحار بعيداً عن الحدود المصرية وعن القوات البحرية، فيسيرون به فى البحر المتوسط بعيداً عن الشواطئ المصرية، حتى ليبيا بنفس طريقة إدخال الترامادول، ثم يأتى أيضاً على دفعات عن طريق الصحراء أيضاً، وعلى جانب آخر كان يتم تهريب الهيروين والكوكايين من إسرائيل والأردن، لكن الآن لا يوجد أى تهريب للمخدرات من الحدود الشرقية.
■ هل القائمون بالتهريب عصابات مصرية؟
- التهريب يحتاج إلى إمكانيات، وتحتاج تشكيلات تلك العصابات إلى عناصر دولية من عدة جنسيات، كما تحتاج أساليب التهريب إلى أموال طائلة وخبراء، ويلجأ التجار لشراء الصفقات من الخارج بالعملة الصعبة، وهو ما يكبد الدولة نزيفاً فى النقد الأجنبى، ويشترون المخدرات من الخارج بمبالغ ضئيلة، ويبيعونها بأضعاف أسعارها.
■ وماذا عن تهريب الهيروين؟
- بالنسبة للهيروين يأتى عبر البحر الأحمر، ويتم إنتاجه فى أفغانستان، وخط سيره هو الخليج العربى ثم خليج عدن ثم البحر الأحمر، وبعض اليمنيين لهم دور فى تهريب الهيروين، إذ تأتى الشحنات من أفغانستان عبر خليج عدن، ويستخدم المهربون دولة اليمن كبلد ترانزيت، وساعد على ذلك فى الآونة الأخيرة المشاكل الأمنية المعروفة فى اليمن، فيتم تخزينه هناك ثم يعاد تهريبه إلى الشواطئ المصرية.
■ مخدر الهيروين باهظ الثمن فمن يتعاطاه فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية؟
- كيلو الهيروين فى أفغانستان ثمنه نحو 450 ألف جنيه مصرى، لكن السوق المصرية لا تتقبل هذا السعر، لذا يتم غشه، ويتم ذلك باستخدام أدوات بسيطة دون ورش أو معامل، فالمخدر يأتى فى صورة مسحوق وتضاف إليه أيضاً مادة لزجة ليتماسك، ثم يتم كبسها لتخرج على شكل الأقراص المعروفة بأكليشيهات محلية الصنع، كالتى تظهر فى القضايا المضبوطة، ويصبح الكيلو عشرة كيلو بعد إضافة مكملات غذائية نباتية وحيوانية وأحجار مطحونة وأدوية مسكنة، وجماجم آدمية أحياناً.
■ معنى ذلك أن معظم المخدرات الموجودة مصنعة؟
- بالطبع معظم المخدرات الموجودة حالياً فى مصر مصنعة وتشكل خطراً داهماً على الصحة.
■ ماذا عن التنسيق الدولى لإحباط تهريب المخدرات؟
- ضرورى جداً ويبدأ من خارج البلاد بسبب أن هؤلاء التجار عصابات دولية تضم عدة جنسيات، وتبادل المعلومات بين الدول أمر ضرورى لتحقيق نتائج طيبة فى مكافحة المخدرات، والحمد لله تربطنا علاقات طيبة جداً مع دول الجوار والدول العربية والأوروبية وأمريكا وروسيا، ونظائرنا من خلال الاتفاقات الدولية والاتفاقات الثنائية أيضاً، وهذا يتيح لنا تحقيق ضربات استباقية ومكافحة المخدرات من منابعها قبل دخولها إلى البلاد، لكن إذا وصلت إلى الحدود المصرية فيكون هناك تنسيق كامل مع حرس الحدود والقوات البحرية، وهو تنسيق فعال ليس وليد اليوم، وإنما من قديم الزمن، والتنسيق بين مكافحة المخدرات وحرس الحدود يعتبر أقوى تنسيق بين جهتين أمنيتين بينهما اتصال مباشر، وعلاقتنا شخصية بكل القيادات والضباط على كافة المستويات فى حرس الحدود.
■ ما حجم إنفاق المصريين على المخدرات سنوياً؟
- ما يقرب من 5 مليارات جنيه وفقاً للكميات المضبوطة.
■ ما أهم الضبطيات التى تمت مؤخراً بخلاف ضبطية المصنع؟
- كانت هناك عملية تهريب مخدر حشيش مقبلة من لبنان وتوافرت لدينا المعلومات، وتم التنسيق مع القوات المسلحة من خلال الإدارة العامة للإعلام والعلاقات بوزارة الداخلية، وهيئة عمليات القوات المسلحة وتم التنسيق ما بين الجهات، والقوات البحرية تمكنت من ضبط المركب، وحاول المركب الهرب، وحدث إطلاق نار على قبطان المركب وإصابته بطلق نارى، وإجباره على الامتثال لأوامر البحرية، وتم سحب المركب بسبب الأعطال والمشاكل الفنية داخل المياه الإقليمية المصرية، وبتفتيشه عثر به على 3 أطنان ونصف من الحشيش.
■ ما علاقة المخدرات بتجارة السلاح؟
- هناك علاقة بين تهريب المخدرات وتهريب السلاح وتهريب البشر، وتعتبر كلها جرائم منظمة، وهى مرتبطة ببعضها، وتتوافق أحياناً فى نفس خطوط التهريب، لكن فى مصر من يقومون بتهريب المخدرات هم عصابات أغلب عناصرها وارث لهذه المهنة أو هذا النشاط.