فضفضة مطلّقات فى الفضاء الإلكترونى: «المجتمع ما بيرحمش»
صورة تعبيرية
كعادتها كل مساء، تجلس على الأريكة وفى يدها هاتفها المحمول، ترتشف من فنجان القهوة وتقرأ الرسائل المتزاحمة التى تأتيها بين الدقيقة والأخرى. هاتفها لا يتوقف عن إصدار تنبيهات بوجود مزيد من الرسائل عليها أن تعطى لها إذن النشر على الجروب المغلق... الجروب الذى أنشأته لـ«السنجل ماذر» أى المطلّقات.
أربع سنوات هى عمر الجروب، وآلاف الرسائل هى الشكاوى التى تبعث بها المطلقات: شكاوى من الرجل «المُطلّق»، وأخرى من المجتمع، وثالثة من الأصدقاء وزملاء العمل والنادى الذين لا يبدون أى احترام لأى سيدة يُدوّن فى خانة حالتها الاجتماعية «مطلقة». أسماء المصرى، سيدة عشرينية وجدت طريقها إلى هذا الجروب من منطلق حالتها الاجتماعية، حصلت على قسيمة الطلاق منذ 6 سنوات، ظلت تتخبط وتدخل فى معارك مع المجتمع سنوات حتى اهتدت إلى إنشاء هذا الجروب الذى جمع آلاف المطلقات اللاتى يعانين من النظرة نفسها، حكت لهن وحكين لها وتدريجياً بدأت تخرج من عزلتها إلى العالم الافتراضى لتجده أحنّ عليها من أقرب الناس لها: «حتى الناس القريبين مننا بيجرحوا فينا.. إحنا فى مجتمع مش بيدى المطلقة حقها وهنفضل طول عمرنا نعاملها على إنها مذنبة وهى اللى خربت بيتها».
هربن من الواقع الذى يتهمهن بالتسبب فى فشل العلاقة الزوجية
كتبت «أسماء» تجربتها على الجروب، روت تفاصيل أول يوم تعود فيه إلى منزل والدها بعد طلاقها، فبينما كان عزالها محملاً على العربات وهى تقف إلى جواره حاملة طفلتيها فوق يديها قابلتها نظرات الشفقة والشماتة من جيرانها «ادى اللى خدته من الجواز»، لتكمل عليها نظرات والديها التى تحمل عتاباً على إصرارها على الطلاق: «الست مالهاش إلا بيت جوزها». حالة من الإحباط حاصرتها لسنوات قبل أن تنشئ هذا الجروب الذى أعاد لها بصيصاً من الأمل وجعلها تنسى معاملة زوجها لها وإهاناته اليومية: «شُفت على الجروب ده قصص أصعب منّى بكتير، إحنا بنتكلم على الصفحة بمنتهى الحرية بنعبر عن القهر اللى جوانا، مجتمعنا حقير بيتعامل مع المطلقة على إنها مباحة». توقفت «أسماء» عند الكلمة الأخيرة وتغيرت نبرة صوتها التى اختلطت بالدموع: «أيوه بيشوفونا إننا مباحين، بيسموا بدنا بالكلام، بس إحنا على الفيس بوك بنقوى بعض».
التجربة نفسها مرت بها أميرة سالم، 30 عاماً، خرجت من أزمة الطلاق محطمة، منعزلة، لتجد حياتها الجديدة على الجروب المغلق الذى ساعدها كثيراً فى تجاوز مِحنتها: «لقيت نفسى بعمل حفلة طلاق على الفيس بوك، أول مرة أحس إن الطلاق حرية وإنى أخيراً اتحررت، ده أنا حطيت صورتى اللى ظاهر فيها صباعى ملطخ بالحبر الأزرق بعد بصمة الطلاق على الجروب عشان يشاركونى فرحتى».
«أسماء» أنشأت أحد هذه الجروبات لتخفف عن المطلقات.. و«أميرة» نظمت حفلاً لطلاقها بدعم من صديقاتها
تروى «أميرة» كيف انهالت عليها عبارات التهانى والقبلات من عضوات الجروب اللاتى فرحن بالعضوة الجديدة وبثقتها فى نفسها: «كنت موجودة على صفحة المطلقات قبل طلاقى وكنت شايفة نفسى هبقى واحدة منهم». جاء الاحتفال المبالغ فيه بالطلاق بعد أن دخل عليها زوجها فى الثالثة فجراً، والشر يكاد ينطلق من عينيه وتعدى عليها بالضرب كالعادة، ولكن كانت هذه المرة «علقة موت» كسر عظامها ولم ينقذها من تحت يده سوى جيرانها بالعمارة الذين استيقظوا على صراخها: «المباركة اللى جاتلى على الفيس كنت محتاجاها تقوينى على الهمّ والبهدلة اللى هشوفها فى المحاكم عشان النفقة».
ولأن المرأة المطلقة فقدت الثقة بمن حولها، فقد دعم هذه الجروبات وجود بعض من المحامين الذين يقدمون النصائح طيلة الوقت للسيدات، طارق عرفة، محام، أحد أعضاء جروب المطلقات، موجود باستمرار على جروب «egyptian single mother»: «الستات بتبعت لى مشاكل، لأنها فقدت الثقة فى كل اللى حواليها، ساعات بتكون شاكّة فى المحامى اللى بتابع معاه»، منذ 4 أشهر يحاول «عرفة» أن يقدم النصائح والاستشارات المختلفة تبعاً لكل حالة تقابله، ووجد أن مثل هذه الجروبات هى مجتمعات قوية أوجدتها سيدات منهكة نفسياً تحتاج للمساعدة المعنوية: «أغلب المشكلات اللى بتجيلى بتكون عن النفقة وتبديد الشقة».
مريضات السرطان اللاتى حصلن على الطلاق لعلة لم يكن لهن سبب فيها أنشأن لأنفسهن «جروب» مغلقاً على الـ«فيس بوك»، «كونى الأقوى.. كونى سحر» هى الصفحة التى جمعت حولها عدداً كبيراً من السيدات المريضات اللاتى يعانين من تخلّى الرجال عنهن بعد اكتشاف إصابتهن بمرض خطير، «الصفحة عبرت عن حال 70% من المطلقات المريضات»، كما ترى سحر شعبان مؤسسة الصفحة، التى مرت بتجربة مشابهة لتجارب بطلات السرطان: «حكاوينا على الفيس بوك بتدعمنا نفسياً بنبقى مستنيين كلمة حلوة»، تلعب جمعية سحر دوراً قوياً فى حياة المطلقة مريضة السرطان المعيلة للأطفال، والتى تعانى من الشفقة المجتمعية متناسين كونها إنسانة: «بنحسس الحالات إنهم مش لوحدهم حتى لو الكل اتخلى عنهم لسّه ليهم ضهر». تروى «سحر» عن تجربتها جملة واحدة كفيلة بأن تبرر كل ما تحاول فعله الآن: «أنا مرّيت بكل اللى همّا شافوه فهكون أكتر واحدة عارفة علاجهم».