100 عام على ثورة 1919.. حقيقة أصول سعد زغلول المغربية
عباس العقاد والزعيم سعد زغلول
كان عباس محمود العقاد أحد أبناء ثورة 1919، وهاجم "لجنة ملنر" الإنجليزية التي جاءت من أجل تهدئة الشعب، وإخماد روح الثورة.
لم يكن ارتباط العقاد بسعد زغلول عاديا، بل تطور الأمر إلى إنتاج كتاب "سعد زغلول.. سيرة وتحية"، ألفه العقاد لتذكير الشعب بزعيم "بيت الأمة".
نفى العقاد في كتابه وصف "الأمة المصرية" بأنها أمة بداوة، تتثوب إلى الحرب باعتبارها بابا للرزق وطريقا للسلامة من الجار المعتدي أو الجار الخفيف، حيث أجزم على أنها ذات حضارة مستقرة ومنتظمة، وحين تلجأ إلى الحرب، فلا بد من وجود ضرورة محتمة لا بديل عنها، وحدوث نكبة لتفادي نكبة أكبر منها، مع تفادي العواقب التي يمكن أن تقع دون اللجوء للحرب.
وأكد أنها أمة غير مطيعة دون فكر ورأي، بل إنها أمة توارثت العقائد والمأثورات جيلا بعد جيل، حتى أصبحت لها تلك العقائد والعادات والتقاليد والأفكار، كتراث تصونه و تحتفظ به، كما يحتفظ الإنسان بثروته.
كان يُشك في بداية الأمر أن سعد زغلول لا ينتمي للجنسية المصرية، لما اٌشيع حول المصريين -من قبل الأعداء كاليونان والإسرائيليون الأقدمون- من اتسامهم ببعض الصفات التي لا تؤهلهم أن ينجبوا مثل سعد زغلول، كضعفهم واستسلامهم أمام طغاة الحكام والأجانب، أو سلبيتهم تجاه من يسلبهم حقوقهم وعدم الوقوف في وجه من يتعرض لاحتلالهم والسيطرة عليهم، شعب يشوبه الجمود والتخلف من جميع الجهات، بحسب وصف العقاد.
"إننا لو استحضرنا اليوم روح يوليوس قيصر وسألناه عن الأمتين اللتين حشمتاه أكبر العناء وحرمتا عليه الراحة، لقال لنا إنهما الإنجليز والمصريين" ذكر العقاد في كتابه تلك الكلمات التي لخص بها الزعيم الراحل سعد زغلول الكثير والكثير عن حال المصريين، آنذاك، والذي ينقض تماما ما اًشيع عنهم من أكاذيب في تلك الفترة.
ويحكي العقاد الشكوك التي اُثيرت حول أصل سعد، فمن الأجانب من نسبوه إلى المغول ومنهم من ينسبونه للأتراك، مثال: لمحت "التيمس" لمثل هذه الشكوك حيث وصفت سعد بـ"إنه كان طويل القامة نحيل البنية عريض المنكبين أسمر اللون مع شي من الصفرة، وعظما خديه بارزان، وعيناه ضيقتان، فكان له في ذلك مسحة من سيماء المغول".
ولكن يستدل العقاد على نقيض تلك الشكوك لا سيما الشك في كونه ذي أصل تركي، وذلك لأن ملامح سعد كانت بعيدة كل البعد عن الملامح التركية خاصة شكل الجمجمة المستطيلة والأنف المنفرج، كما أن أسماء الأسرة كلها ليس فيها اسم واحد يشبه أسماء البيئة التركية التي لا يعقل أن تنسى أسماءها وتندمج في عنصر الفلاح كل هذا الاندماج بعد جيلين أو ثلاثة، فسعد الله وفتح الله وفرج الله وشلبي وستهم والشناوي وشعث واسم زغلول نفسه من الأسماء التي لا تمت للبيئة التركية بصلة، وإنما قد تكون فيها مشاركة للتسمية البدوية، ولكنها لا تشارك الأسماء التركية لا من قريب أو من بعيد.
ويستكمل العقاد في حديثه عن الشكوك التي اُثيرت حول "زعيم الأمة"، أن الذين أرجعوا أصول العقاد للبدو والعرب هي تلك الأسماء، بالإضافة إلى أن أباه كان يرتدي الطربوش البدوي والنطاق لبدوي ويحمل السلاح كما يحمله زعماء البدو على خلاف عادة الفلاحين.
يروي العقاد أنه عثر على نسبة مغربية تنسب إلى سعد زغلول، ما حمله أن يسأل سعد عن تلك النسبة، فأجابه سعد ضاحكا: "القصة كلها من أصحاب الحيل الدفاعية والأساليب المستظرفة في (تخليص القضايا) على طريقة الأيام حينها".
واستكمل سعد: "قُبض علينا في عهد الاحتلال ولبثنا في السجن زمنا بعد وضوح برائتنا وإبداء المحقيين رأيهم الصريح بهذه البراءة، وألح علينا بعض الصحاب أن تبلغ الأمر إلى الإنجليز طلبا للإفراج عنا فرفضنا، فكان من الحيل التي لجأ إليها محامينا الأريب أنه التمس لنا أصلا أجنبيا، وكتب لنا نسبة مسلسلة كنا نحن أول المستغربين لها الضاحكين منها حين أطلعنا عليها بعد الإفراج عنا، وإنما ألجأه إلى هذه الحيلة أن فرنسا كانت قد استولت على تونس وأخذت في ضم التونسيين المقيمين بمصر إلى رعاياها، وكان بعض الناقمين منا يريد عقابنا وتلفيق الشهادات التي تلصق التهمة بنا، ثم أرادوا أن ينفونا إلى السودان بعد تهافت التهمة وظهور بطلانها، ولم تكن النسبة المغربية سبب نجاتنا كما أراد محامينا جزاه الله، ولكنها بقيت فكاهة نتذكرها و يتحدث بها أصدقاؤنا، و تخلف منها تلك الإثارة التي سمعت بها، ولا منشأ لها غير تلك النسبة الموضوعة".
وكان هذا كل ما قاله سعد عن أصله في النسبة المغربية، مما يدل في كلامه أنه كان يعتبر نفسه فلاحا مصريا ولا يرضى بأن يسلكله أحد في غير زمرة الفلاحين المصريين، بحسب ما يعبر عباس العقاد في كتابه.