أحمد كمال باشا (مكتشف الكنوز)
قالت عنه الموسوعة العربية (إنه أول عربى يعشق تاريخ مصر الفرعونية، ويكرس له حياته ليبحث فى أسراره ونقوشه بكل دقة ونشاط، ليغرس فى نفوس أبناء جيله الانتماء للتاريخ وللوطن بإنشاء مدرسة وطنية عربية عام 1923م، كان لها الفضل فى إقبال المصريين على دراسة تاريخ وطنهم المجيد).
إنه العالم الأثرى، أحمد كمال باشا، أول عربى يعشق تاريخ الفراعنة وآثارهم التى ظلت مهملة سنين طويلة، ولا يدرك أسرارها عقل، ولا تمتد إلى أحجارها ونقوشها بالبحث والتنقيب يد، لتكشف عن تاريخها وأسرارها العلمية. كان تاريخ مصر القديم لغزاً مجهولاً، ومع ذلك عاشت تلك الآثار الخالدة تتحدى الفناء بشموخها، حفظها تراب مصر على مر الأزمان، وظل الناس جيلاً بعد جيل، وعصراً بعد عصر، يأتون إليها ويشاهدونها، يقفون أمامها وقفة إجلال، ولا يملكون إلا أن يصفوا روعتها، ويسجلوا عظمتها فى دهشة وإعجاب، منهم الفاتحون الغزاة، ومنهم السائحون العابرون، ومنهم المؤرخون والرحالة والعلماء.
إلى أن جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798 م، بقيادة (نابليون بونابرت) وتم العثور عام 1799 م، على حجر رشيد ليتمكن الأثرى الفرنسى (شامبليون) من فك رموز الحجر ليظهر علم الآثار المصرية، حينها تنبهت أوروبا لقيمة الحضارة المصرية، وأصبح علم الآثار حكراً على الأجانب من دون المصريين الذين كانوا يجهلون هذا التاريخ العظيم وقيمة تلك الآثار الخالدة.
بدأ الاهتمام الحقيقى بالآثار فى عهد الخديو إسماعيل، عندما أمر بتأسيس مدرسة لتعليم اللغة المصرية عام 1869 م. التحق بالمدرسة عشرة تلاميذ من المصريين الذين أتموا الدراسة الثانوية، ويجيدون اللغة الفرنسية، وكان أشهر من نبغ من تلاميذ تلك المدرسة (أحمد كمال) فكان بذرة طيبة صادفت أرضاً طيبة احتضنتها، ويداً حنوناً رعتها، وماء صافياً ارتوت منه، فأينع وأثمر.
تخرج أحمد كمال فى مدرسة (اللسان المصرى) لتعليم اللغة المصرية، وكان الوحيد من زملائه الذى اشتغل بالآثار، فالتحق بالمتحف المصرى فى وظيفة أمين مساعد، ولم يكتف أحمد كمال بعمله فى المتحف، بل كانت له أبحاثه التاريخية الأثرية، فكان يناقش علماء أوروبا فى آرائهم العلمية.
اختار أحمد كمال دراسة علم الآثار، رغم أن الطريق أمامه لم يكن مفروشاً بالورود، بل كان محفوفاً بالعقبات والصعوبات التى يضعها أمامه علماء الآثار الأوروبيون، احتكاراً منهم لهذا العلم، إلا أن ذلك لم يزده إلا إصراراً على مواصلة رحلته، وشق طريقه وسط هؤلاء العلماء، ليقوم بتعليم أبناء وطنه علم الآثار، ويتخرج على يديه طلبة مصريون، شقوا طريقهم وكان قدوتهم أستاذهم أحمد كمال باشا الذى بذل جهوداً كبيرة لدعوة الشباب لدراسة علم الآثار وتاريخها، بإنشاء مدرسة لدراسة اللغة المصرية.
طالب أحمد كمال باشا وسعى لإنشاء المتاحف الإقليمية -وهى التى توجد بكل محافظة من محافظات جمهورية مصر العربية لتحفظ الآثار التى تُكتشف على أرضها- وطالب بأن يتولى المصريون التنقيب عن آثار الفراعنة الشامخة.
يُعَد كتاب (العقد الثمين فى محاسن أخبار وبدائع آثار الأقدمين) الذى كتبه العالم الأثرى أحمد كمال باشا عام 1883، أول دراسة تاريخية علمية عن الحضارة المصرية القديمة باللغة العربية، يكتبه عالم مصرى متخصص فى علم الآثار، وهو الكتاب الذى ساهم فى تشكيل فكر عميد الأدب العربى دكتور طه حسين، الذى ارتبط بالأثرى أحمد كمال باشا، وكان قدوته فى الإصرار والاجتهاد..
فى أغسطس عام 1923 م، رحل عاشق التاريخ المصرى القديم أحمد كمال باشا، ولا يزال كل نقش سكن جدران المعابد يتذكره بكل الفخر والحنين.