علماء الدين: الضرب المطلق محظور فى الشريعة
الدكتور شوقى علام
رغم أن الإسلام وضع قواعد شرعية لضبط التعامل بين الزوج وزوجته، تقوم على المودة والرحمة، كما ورد فى قوله تعالى «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»، إلا أن البعض استغل تفسيرات خاطئة للآية التى يقول فيها تعالى «وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِياً كَبِيراً» ليرضى النزعة الذكورية المترسخة فى عقله، وكأن الله خلق له المرأة لتكون خادمة وتابعة لا شريكة فى كل شىء.
"الطيب": خيار ثالث بعد النصح والهجر وله شروط واضحة أهمها ألا يكون للعدوان
الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، شرح تفاصيل العلاقة بين الزوجين فى برنامجه على التليفزيون المصرى، خلال شهر رمضان الماضى، مؤكداً أن ضرب المرأة عامة ممنوع فى الإسلام، وأن الآية الكريمة الخاصة بضرب الزوجة تتحدث عن الزوجة الناشز، وغير ذلك يحرم ضربها حتى لو وقع بين الزوجين خلاف، مشيراً إلى أن الضرب الرمزى هو الدواء الأخير، الذى وصفه القرآن الكريم لعلاج نشوز الزوجة فيأتى كحل ثالث، إن لم يصلح معها النصح والهجر، فهذا «استثناء من أصل الممنوع».
وأوضح الإمام الأكبر، خلال عدة حلقات من برنامجه، أن ضرب الزوج للزوجة يكون بهدف الإصلاح لا العدوان، كذلك له شروط وحدود، وهى ألا يكسر لها عظماً، وألا يؤذى لها عضواً، فإذا ضرب وتجاوز مسألة الأذى فهذا حرام، ويعاقب عليه، كما لا يجوز له أن يضرب باليد، ولا يضرب على الوجه ولا يخدش شيئاً ولا يترك أثراً نفسياً على الزوجة، مضيفاً: «لا يجوز أن يبدأ العلاج بالضرب الرمزى، بل يبدأ بالموعظة، ثم الهجر فى المضجع، ثم يأتى بعد ذلك الضرب الرمزى؛ كأن ينكز الرجل زوجته بمسواك أو فرشاة أسنان، بهدف كسر تكبرها وتجبرها فقط، وذلك بنية الإصلاح ومن منطلق محبة الزوج لزوجته وحرصه على الحفاظ عليها، كما يفعل الأب أو الأم مع الابن أى إنه ليس من قبيل العدوان، لأنه إذا كان من قبيل العدوان فهو محرم».
كما حدد الإسلام شروط استخدام الضرب ضد الزوجة الناشز، فهى التى تريد أن تقلب الأوضاع فى الأسرة وتتكبر على زوجها، وهنا الضرب يكون لجرح كبرياء المرأة، التى تتعالى على زوجها، فالضرب ليس فرضاً ولا واجباً ولا سنة ولا مندوباً، بل هو مباح للزوج إذا تأكد له أنه الوسيلة الوحيدة التى سترد الزوجة.
وقال الإمام الأكبر إن علاج الضرب يساء فهمه لدى كثيرين رغم ما حددته له الشريعة الإسلامية من ضوابط وحدود، منتقداً ما وصفه بحركات «التشكيك بالإسلام»، وتغيير النصوص الإلهية لتساير حركات المرأة واتفاقيات الأمم المتحدة، مشيراً إلى ما ذكره الأديب عباس العقاد فى الرد على المعترضين على هذا النوع من العلاج بقوله: «من حق المعترضين أن يعترضوا على القرآن الكريم؛ إذا أكدوا لنا أنه لا توجد فى جماعة النساء امرأة واحدة يمكن أن يصلحها هذا النوع من التأديب ويصدها عن هدم الأسرة».
وبيّن الإمام الأكبر أن ضرب الزوجة أمر شائع فى المجتمعات الأخرى بما فيها المجتمعات المعاصرة، ولذلك فإن المنظمات الدولية فرضت اتفاقيات لمواجهة هذه الظاهرة، إلا أن هذه الاتفاقيات تجاوزت الحدود الطبيعية وطالبت بإلغاء الفروق بين الرجل والمرأة بشكل كامل، ونادت بإلغاء حق التأديب من الزوج لزوجته اللازم أحياناً.
"علام": يجب فهم مدلول وكيفية "تأديب الناشز" وفقاً للمسلك والنموذج النبوى
فيما أكد الدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، أن القرآن الكريم وضع قواعد لمنع العنف الأسرى والخلافات المنتشرة خلال الفترات الماضية، وتشمل تلك القواعد الوعظ، وتحتاج إلى لين جانب وليس استعلاء من كلا الزوجين، ثم مرحلة الهجر وتهدف لاتخاذ موقف صارم وليس ترك البيت لأنه تصرف خاطئ، فترك أى طرف للبيت ما هو إلا تصعيد للمشكلات. مضيفاً عبر موقع «دار الإفتاء»: المرحلة الثالثة، الضرب، ويمثل رمزية، ويجب أن يفهم مدلوله وكيفيته وفقاً للمسلك والنموذج النبوى الشريف فى التعامل مع زوجاته، لكن حل المشكلات بالضرب وإبراز السلبيات هو مسلك الضعفاء وغير المنصفين الذين لا يديرون الأسرة إدارة حسنة، فضلاً عن تعارضه مع الميثاق الغليظ.
"جمعة": الغرض منه التنبيه لا الإيلام
الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، أكد أن الاعتداء على الزوجة والأولاد وتهديدهم وترويعهم لا علاقة له بالشريعة الإسلامية السمحاء، بل إن الإسلام قد حث على خلاف ذلك، وجعل حسن معاملة الأزواج لزوجاتهم وأهليهم معياراً للخيرية؛ فقال النبى الكريم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى»، فلم يرد عن النبى أنه ضرب نساءه قط؛ فعن أم المؤمنين عائشة، قالت: «ما ضرب رسول الله شيئاً قط بيده، ولا امرأة، ولا خادماً، إلا أن يجاهد فى سبيل الله».
وأضاف فى تقرير له عبر موقع «دار الإفتاء»: «قول الله تعالى عن ضرب النساء، لا يقصد بالضرب إهانة الزوجة وإيذاؤها، بل هو لبيئة وثقافة معينة تستحسن الضرب وسيلة لعتاب الزوجة وإظهار عدم الرضا بسلوكها، ويكون تربيتاً باليد أو السواك أو فرشة الأسنان ونحوها، فالغرض منه التنبيه لا الإيلام».
من جانبها قالت الدكتورة آمنة نصير، عميد كلية الدراسات الإسلامية الأسبق، لـ«الوطن» إن «الضرب يكون للزوجة التى لا تعرف آداب البيت والزوجية، لكن للأسف هناك سوء فهم للنصوص المقدسة، فالمرأة المسلمة واقعة بين عدل التشريع وسوء التطبيق للنصوص، والسبب فى ذلك وجود بعض الداخلين فى الدين، الذين تسببوا فى فهم خاطئ للنصوص الشرعية فهم يطبقونها على هواهم، ونجد اليوم بعض الزوجات يضربن أزواجهن، فهذا التطاول ناتج عن سوء تطبيق شرع الله من قبَل الرجل، فالمرأة توحشت وأرادت أن تقول للرجل: كما تضرب أنت أضرب أنا».
وقالت د. سعدية يونس، الباحثة بالأزهر الشريف، إن «المراد بالضرب هو تقويم للزوجة الناشز وتهذيب لسلوكها المعوج، وفلسفة العقوبة هنا من شأنها إرساء قواعد متينة للبناء الأسرى بدلاً من تعرض أفراد الأسرة للتشريد إذا ما تركت الزوجة وتمادت فى التدلل المفرط، فالوسطية شعار الإسلام وهى منهج حياة، فكما تأبى الضرب المبرح والقسوة والعنف تأبى كذلك اللامبالاة والإهمال وترفض الإفراط والتفريط فى كلا الجانبين، لذا يتبنى الإسلام فى هذا الشأن بل وفى كل الأمور الاعتدال، الذى من شأنه تحقيق التوازن والاستقامة التى تنتج النجاح الأسرى والتوافق بين الزوجين وخلق الهدوء النفسى الذى يسرى فى جنبات البيت».
وأكد د. على محمد الأزهرى، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، أن الضرب غير المبرح يكون عند نشوز المرأة، ولا بد من اتباع التدرج القرآنى، الموعظة أولاً، ثم الهجر فى الفراش، ثم المرحلة الثالثة الضرب، كذلك يستخدم شىء خفيف فى الضرب مثل السواك أو ما فى مقامه، تجنباً لإيلام الزوجة وعدم إحداث أى إصابة لها، أو عاهة كما يفعل بعض السفهاء، وألا ينال منها بالسب وغيره، فالمسلم لا يجوز له أن يسب غيره، وقد حذر النبى، صلى الله عليه وسلم، من هذا، فقال: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»، كذلك يتوقف الزوج عن الضرب إن حدث ما يوده من إصلاحها وتهذيبها عند النشوز.
وقال عبدالغنى هندى، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إن الإسلام وضع قواعد شرعية للتعامل بين الزوجين منها «وعاشروهن بالمعروف» وقوله «فامسكوهن بمعروف» و«ولا تضاروهن»، وقوله أيضاً «فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً»، فضرب الزوجة لم يذكر إلا فى موضع واحد فقط، ووضع كثالث حل بعد النصح والهجران، كذلك وضعت له شروط، فالضرب هنا حالة نادرة كعلاج، وهى الحالات، التى يكون فيها الزوج مضطراً.