«صبحى».. حياة تحت رحمة «الفلنكات»
«الهيئة القومية لسكة حديد مصر تسعى إلى راحة الجمهور»، تلك اللافتة المعلقة على عدد من حوائط محطة مصر يحفظها عن ظهر قلب صبحى عبدالكريم، ملاحظ صيانة بسكة حديد مصر، خاصة أنها تصادفه فى طريقه لذلك المخزن الذى تقبع فيه معدات العمل الثقيلة التى يستخدمها فى صيانة قضبان القطارات، ويضم هذا المخزن التابع لورشة الجرارات بمحطة كوبرى الليمون غرفتين يستخدمهما هو وعمال الملاحظة فى المبيت أيام النوبتجيات، أو فى قضاء حاجاتهم وتناول الطعام فى وقت الراحة الذى نادراً ما يأتى. تسعة عشر عاماً قضاها من سنوات عمره الاثنين والأربعين فى هذه المهنة، بدأها «عسكرى دريسة» مهمته صيانة فلنكات القضبان، وبعد 8 سنوات مر باختبارات عُيِّن بعدها ملاحظاً يشرف على عمال الصيانة. داخل غرفة لا تزيد مساحتها على خمسة أمتار فى أفضل الأحوال يقبع سريران من الحديد فوق كل منهما سرير آخر.
تلتصق بتلك الغرفة واحدة أخرى لا تختلف عنها وكأنهما توأمين، بينما يحاصرهما أجولة من مسامير الفلنكات وآلات فك وربط مسامير القضبان إضافة إلى آلات الرفع، مساحة صغيرة بجانب دورة المياه استغلها العمال وافترشوا عدداً لا بأس به من الحُصر على الأرض يجلسون عليها أثناء تناولهم الطعام بعد العمل، صحيح أن دورة المياه الوحيدة هنا داخل المخزن مبنية من الطوب ولها «قاعدة بلدى» ولا تزيد مساحتها على مترين، لكن ليس هذا أكثر ما يضايق «صبحى» وزملاءه، لكنها تلك الزواحف التى تهجم عليهم ليلاً أثناء نومهم، فيفاجأون بالفئران وبنات عرس تنطلق فى أرجاء المكان وكأنها تأبى أن تمهلهم ساعات قليلة يستريحون فيها من تعب يوم عصيب. «إحنا أكتر ناس بتشتغل وبتتعب فى السكة الحديد»، هكذا يرى «صبحى» مضيفاً: «أنا أوقات مابلحقش أحط لقمة فى بقى بسبب ضغط الشغل، وبنشيل فلنكات وزنها ما بيقلش عن 200 كيلو عشان ما نستخدمش الونش ويمشى على السكة ونعطل حركة القطارات، وبرغم صعوبة العمل فإن أعداد العمال مش كافية، لإنه بعد ما كان فيه 21 واحد شغال معايا كتير طلعوا على المعاش، وعشان مفيش تعيينات مفيش دلوقتى غير 6 عمال بس». عم «صبحى» أب لثلاثة أبناء، أحدهم فى المرحلة الثانوية والآخر فى الإعدادية، أما ابنته فاقترب موعد زفافها، يقول الأب: «أنا قضيت عمرى فى الشغلانة دى، وبدأت بمرتب 125 جنيه، دلوقتى بالحوافز بيوصل 1600 جنيه، ولولا إنى عندى حتة أرض فى البلد ماكنتش هعرف أصرف على عيالى من المرتب ده». يتوقف «صبحى» عن الحديث قليلاً ثم يعود ليقول: «حتى أبنائى لا يعلمون مدى مشقة عملنا، ولا يعلمون أننا معرضين فى أى وقت للإصابة بسبب عدم توفير أحذية خاصة لنا تحمينا من سقوط الفلنكات على أقدامنا أثناء نقلها، ولكن كيف سنطلب تلك الأحذية إن كانوا لم يمنحونا حتى زى للعمل بدلاً من تكبدنا تكلفة شراء ملابس للعمل من وقت للآخر».