"الصبر" مطلب كل الحكام من المصريين.. مرة يصيب ومرة يخيب
"الرمد أهون من العمى" هكذا تعاملت أكثر الحكومات المصرية مع المواطنين الذين آمنوا دائمًا بأن "نصف العمى ولا العمى كله"، وأن "من صبر ظفر" و"طول البال يهدم الجبال".. صبر كبير اشتهر به المصريون منذ القدم أمام كل الملوك والرؤساء والحكومات التي لم تكف يومًا عن طلب المزيد من الصبر مقابلين كل سؤال عن سوء الأحوال بمبدأ "شدة وتزول".
"للصبر حدود، قالتها أم كلثوم وتراودني الجملة كلما سمعت كلمة الصبر يطلبها منها الرؤساء" يتحدث أحمد بهاء الدين شعبان، رئيس الحزب الاشتراكي المصري والمنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير، حيث يرى شعبان أن المصريين فعلًا بحاجة إلى الصبر، لأن المشاكل المتراكمة على مدى عقود لا يمكن بديهيًا حلها على مدى شهور أو أيام أو أسابيع، نظرًا لطبيعة الظرف، لكنه في الوقت نفسه يفرِّق بين نوعين من الصبر: "هناك صبر يستخدم كشعار لتسويف حل المشكلات وإمرار الوقت لصالح السلطة القائمة، وصبر يستخدم كقوة للإنجاز، وتم استخدام نوعيّ الصبر في عهد كل الحكام بداية من عبدالناصر، ومرورًا بمبارك وانتهاء بالرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي".
ويذكر "شعبان" المرات العديدة التي تحوَّل معها الصبر إلى فرصة للإيذاء والصمت تجاه الانتهاكات: "نادرًا ما استخدم الحاكم الصبر الذي يكون مصحوبًا ببرنامج عملي واضح ومحدد يقال لنا فيه سنصبر إلى أي مدى وفي مقابل ماذا وكيف يتم تحقيق هذا، وما هي التكلفة التي سيتحملها الشعب، الأمر يتكرر الآن مع مسألة الكهرباء، صحيح أن البنية متهالكة وأن الأمر سيحتاج لمليارات وأنها ستستغرق عدة سنوات بحسب الرئيس، وعلينا كشعب أن نصبر، لكننا في الوقت نفسه نحتاج لمعرفة جدول العلاج، وجدواه، وأن يتم التعامل معنا برحمة مقابل الصبر، فلا نعاني من خدمة سيئة من جهة وندفع فاتورة مضاعفة من جهة أخرى.. هذا ليس صبرًا، هذا استغلال بالإكراه لحاجة الشعب".
"فضيلة الصبر ليست أبدية، سينتهي سريعًا إذا لم تكن هناك خطط حقيقية ومراعاة لطبيعة الصبر" يواصل شعبان حديثه مشيرًا إلى أن شعوب العالم التي مرَّت بأزمات لم يطالبها أحد بالصبر: "اليابان بعد قنابل هيروشيما ونجازاكي وألمانيا عقب تحالف الحلفاء ضدهم، والاتحاد السوفييتي الذي خرج على أنقاض دولة كبرى، وفيتنام التي خرجت محطمة وسنغافورة بفقرها والصين التي خرجت منهكة من الحروب.. الكل رفع شعار التخطيط الواضح والعلم والتحمل الدقيق للمسؤولية ومتابعة زمنية للإنجاز، هكذا لا يتحول الصبر إلى أحد أدوات ترويج الوهم، خاصة أننا شعوب قدرية، وفكرة الصبر المطلق بالنسبة لنا لا تؤدي لعلاج المشكلة".
"لقد سمعت كلمة "الصبر" كثيرًا في عهود عبدالناصر والسادات ومبارك ومرسي والسيسي، منهم من عمل مقابل هذا الصبر ومنهم من لم يهتم إطلاقًا بحل مشاكل الناس أو الشعب، الفارق في عهد السيسي أن كم المشاكل كبير جدًا والحديث عن حلها بكل بساطة أمر مستحيل، لكن الصبر هنا ليس صبرًا أبديًا، إذا شعر الناس بتحسن سيكملون رحلة الصبر، وإذا وجدوا أن الأمور تسوء وتزداد سوءًا وأن الصبر ليس له نتيجة فسيتحول الصبر إلى سخط وينقلب الناس في وجه الحاكم أيًا كان"، يتحدث الدكتور أحمد دراج، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، مؤكدًا أن "الناس اتغيرت واللي هايضحك عليهم هايقلبوه بسرعة".