صوم «القيامة».. يصل لـ55 يوما انقطاعي وأصبح أمرا مستقرا بالكنيسة منذ 325 ميلادية
مراحل الصوم الكبير فى الكنيسة القبطية تبدأ من التجارب التى مر بها المسيح وتوبة المرأة السامرية حتى أسبوع الآلام
الصوم الكبير لدى الأقباط هو صوم انقطاعى، وصار أمراً مستقراً عليه داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية منذ سنة 325 ميلادية عبر مجمع نيقية، ويختلف موعد هذا الصوم من عام إلى آخر حسب تاريخ يوم عيد القيامة المجيد الذى يُحدّد فى أى سنة من السنين حسب قاعدة حسابية لدى الكنيسة، بحيث لا يأتى قبل يوم ذبح خروف الفصح أو معه، وإنما فى يوم الأحد التالى له، والتى تبعها العالم كله فى القرون الأولى للمسيحية، بحيث لا يأتى المرموز إليه قبل الرمز، وبحيث لا يُعيد المسيحيون مع اليهود، مع الاحتفاظ بيومى الجمعة لتذكار صلب المسيح والأحد لقيامته.
ويُعتبر هذا الصوم هو الأهم من الناحية الطقسية والكنسية، والأطول، ويطلق عليه اسم الصوم السيدى أو الصوم الأربعينى، ويصل إلى نحو 55 يوماً يمتنع خلالها المسيحيون عن تناول الأطعمة التى تدب بها الروح، مثل اللحوم بجميع أنواعها، والأسماك، ويعتمدون على تناول الخضراوات وما ينبت من باطن الأرض فقط، كما يكثر فيه الصيام الانقطاعى لساعات محدّدة. وتقيم الكنائس القبطية الأرثوذكسية، بتلك المناسبة، قداسات صلاة بشكل يومى خلال الأسبوع الأول من الصوم، فيما تقيم الكنائس اعتباراً من الأسبوع الثانى للصوم الكبير، وهو بداية فترة الأربعين يوماً، قداسين يومياً، وتلك الفترة مقسّمة إلى 7 أسابيع، تُعرف بـ«أحاد الصوم الكبير»، وهى: «أحد الرفاع، أحد الاستعداد، أحد التجربة، أحد الابن الضال، أحد السامرية، أحد المخلع، أحد المولود أعمى»، وحدّدت كل أسبوع يبدأ اعتباراً من يوم الاثنين، وينتهى مع نهاية يوم الأحد، حسب نظام الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
القس شنودة منصور: صيام القيامة يتضمن 3 أصوام هى الاستعداد والأربعون يوماً وأسبوع الآلام
وقال القس شنودة منصور، كاهن كنيسة السيدة العذراء والقديس بولس الرسول بالنهضة بالقاهرة، إن صيام القيامة يصل إلى نحو 55 يوماً، يبدأ بأسبوع الاستعداد، ويكون بديلاً للأيام التى لم يصم خلالها المسيحيون، ويتبعه الصوم الأربعينى، اقتداءً بالسيد المسيح، وينتهى بأسبوع الآلام، وتنتهى بالاحتفال بعيد القيامة المجيد، الذى هو أهم الأعياد فى المسيحية، ولأنه يتضمّن 3 أصوام يطلق عليه الصوم الكبير. وأضاف أن موعد الصوم الكبير يختلف من عام إلى آخر حيث يتم احتسابه وفق تاريخ عيد القيامة المجيد، الذى يحل دائماً يوم الأحد، ويليه الاحتفال بشم النسيم، وخلال هذا الصوم، يمتنع الأقباط عن تناول اللحوم بجميع أنواعها والبيض والأسماك، ويكتفون بتناول الخضراوات فقط، وغالباً ما تكون الأطعمة المقلية، مثل الباذنجان والعدس والفول، الطعام السائد للغالبية العظمى للمسيحيين.
الكنيسة قسمت الصيام لـ«8 أسابيع» تبدأ بالاستعداد وتنتهى بالشعانين الذى يُعد أقدس أيام العام
وتابع القس شنودة أن الكنيسة القبطية تستقبل الصيام الكبير بالقداسات الإلهية، حيث يُقام فى اليوم أكثر من قداس صباحاً، مضيفاً أن الصيام مقسّم لـ8 أسابيع، يبدأ يوم الاثنين وينتهى يوم الأحد، ولكل أسبوع آية تكون شعار الأسبوع.
وأضاف كاهن كنيسة السيدة العذراء أن أول أسبوع الصيام يكون أحد الرفاع، وتكون الآية الخاصة به «متى صليت فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك»، وأحد الكنوز «حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضاً»، وأحد التجربة «ثم اصعد يسوع إلى البرية من الروح ليجرب من إبليس»، وأحد الابن الضال «أقوم الآن وأذهب لأبى لا تؤجل العودة»، وأحد السامرية «أعطنى لأشرب فلا أعطش إلى الأبد»، وأحد المخلع «قم احمل سريرك وامش، فحالاً برئ الإنسان»، وأحد التناصير «ما دمت فى العالم فأنا نور العالم»، وأحد الشعانين «أوصنا مبارك الآتى باسم الرب». وأكمل القس شنودة: أنه بداية من نهاية يوم أحد الشعانين، يبدأ أسبوع الآلام الذى يعتبر أقدس أيام العام بالكامل، ومن خلاله تحيى الكنيسة الأحداث التى مر بها السيد المسيح، بداية من اثنين وثلاثاء وأربعاء البصخة، مروراً بخميس العهد، وانتهاءً بالجمعة العظيمة أو الكبيرة، التى تمتد فيها الصلوات على مدار اليوم، وانتهاءً بسبت النور وقداس عيد القيامة المجيد، وهو أكبر الأعياد السيدية فى المسيحية بمختلف أطيافها.
فيما قال القس بولا شوقى، كاهن كنيسة القديس سمعان الخراز، إن الهدف من الصوم بوجه عام هو الاقتراب من الله والالتصاق به، فعندما تكون هناك ذبيحة حب يقدّمها الإنسان إلى الله فى شكل الانقطاع عن الطعام الجسدى تكون فرصة للاقتراب من الله، مضيفاً أن الأمور المادية تشغل الكثيرين عن الأبدية، وهذا الصوم هو البوابة للتغلب على الشهوات الجسدية. وأضاف أن الصوم يعلو من السمو الروحى للإنسان، ويمنحه السلام، من خلال الشعور باحتياجات الآخرين، فيبدأ بتقديم المساعدة، مشيراً إلى أن الصيام الكبير تكون له مكانة عظيمة فى الكنيسة الأرثوذكسية، لأن رأس الكنيسة صامه، وهو «السيد المسيح»، الذى يقدم نموذجاً مثالياً للبشرية، ليس فقط بتقديمه ذبيحة الصيام فقط، بل من خلال الانتصار على الشيطان من خلال التجربة على الجبل.
وتابع أن الصوم يجب أن يتبعه حفظ الوصايا وتنفيذها، منها الوصايا عن المحبة والبذل، والمطلوب أن تتقدس فى الإنسان، وأن يتم تنفيذها على أرض الواقع، وأن الصوم الكبير من أهم الأصوام فى الكنيسة القبطية، حيث تكثر بها قراءات الإنجيل والمزامير، ويعتبره الكثيرون شحنات روحية تمتد معهم لنهاية العام.
وأوضح أن رحلة الصوم الكبير فى الكنيسة القبطية تشهد مراحل متعدّدة، بداية من التجارب التى مر بها السيد المسيح، وتوبة المرأة السامرية، وعودة الابن الضال، وشفاء المولود الأعمى، حتى أسبوع الآلام وبذل السيد المسيح الذى قدم نفسه فداءً عن البشرية للانتصار على الموت التى غلب البشرية، وهو رجاؤنا فى المسيح.
أما القمص أثناسيوس فهمى جورج، فيقول فى كتابه «رحلة الكنيسة فى الصوم الكبير»: «إن الصوم الأربعينى تقليد رسولى، وهو تعليم كنيسة الإسكندرية منذ زمن بعيد، فالقديس كيرلس الأول عمود الدين يقول فى عظاته بخصوص الصوم الكبير إنه «حسب التقليد الرسولى»، ومن قبله البطريرك ثيؤفيلس يقرّر ذلك أيضاً فى خطاباته الفصحية، كما تحدث القديس إيريانوس «أبوالتقليد الكنسى» عن أهمية الصوم الأربعينى الكبير، وأكد أنه قديم العهد جداً، وأن طقسه يراعى فى أنحاء العالم كله، ويرجع إلى أيام الرسل». كما أشار إلى الصوم الكبير فى أول مجمع مسكونى داخل الكنيسة، وهو مجمع نيقية الذى عُقد عام 325 ميلادى، ونص عليه فى القانون الخامس من قوانين مجمع نيقية، كشىء ثابت ومقرّر فى الكنيسة المسيحية فى العالم كله.