«الوطن» ترصد «حرب الشائعات» فى محيط «الاتحادية»
المكبرات أعلنت النداء لصلاة الجمعة، هنا بدأ المشهد الذى امتد إلى نهاية اليوم، فبعد انتهاء الصلاة، توافد المشاركون فى مليونية «الكارت الأحمر»، وصل الحاج «رشاد» مع فوج محافظة الشرقية الذين قدموا خصيصاً للمشاركة فى المليونية، صاحب الأربعين عاماً أصوله من مركز كفر صقر، بجلبابه البسيط ونعله الجلدى تخلل المتظاهرين الراقين: «الميدان هنا مبيفرقش بين فقير وغنى.. كلنا مصريين»، الأب لـ4 بنات لا يستهويه لا الدستور ولا الإعلان الدستورى: «مرسى بيخيرنى بين يا إما أضرب نفسى بالسكينة أو أقطع رقبتى»، لا يخشى الاشتباكات التى يمكن أن تندلع فى أى لحظة: «مصر أهم من حياتى وشغلى»، يرى أن «مرسى» يعاملهم بمنطق أذن من طين وأخرى من عجين: «مبيسمعش لحد ولما طلع علينا فى التليفزيون قالك هانعدل المادة 6.. وهيه بتاعة إيه المادة دى أساساً.. بيحاول يراوغنا.. وإحنا مش جاهلين زى زمان وبقينا فاهمين كل اللى بيحصل».
الشمس قاربت على مغيبها، بينما يظل توافد المتظاهرين مستمراً، فى الوقت الذى نجح المعتصمون والمتظاهرون فى إزالة السلك الشائك أمام القصر وسط أسئلة تدور فى عقول الجميع: «هوه ممكن الحرس الجمهورى يتعامل معانا.. ويشتبك معانا»، تجاهل الحاج محمود كل ذلك وذهب بـ«كوفيته» الصعيدية التى تُزين عنقه وجلبابه إلى أحد التجمعات التى تتوسط شارع الميرغنى، ليجد شاباً أسمر اللون محمولاً على الأعناق قابضاً بيديه على «رِق» يغنى: «مستهون بالريس يا خويا.. ده رئيس شديد.. ده راجل جامد وحياة أبويا وإيده من حديد.. قاعد فى الضلة.. الله يبعد خالد عبدالله.. عاوز أقولها بضمير سليم.. ده عمره ما يسوى ولا مليم.. مرسى بيقول أى كلام.. بيلف طيب ليه وبيدور.. ما يقول أنا عاوز أكون ديكتاتور»، يظل صاحب محل عصير القصب بشارع «الكوربة» مُردداً مع الجميع، الحاج محمود فى منتصف الخمسينات من عمره أصوله الصعيدية ظهرت على ملابسه: «أنا جاى بجلابية الصعيد ومصر الجديدة اللى اتربيت فيها أنا وعيلتى»، يأتى كل يوم إلى ميدان قصر الاتحادية ليتنزه قليلاً وللتعبير عن غضبه من حكم الإخوان: «طول عمرهم خونة.. دول أسوأ من نظام مبارك» لأكثر من ساعتين يتخلل الحاج محمود المتظاهرين يناقشهم ويحاورهم: «لو كان الريس عمل حوار مع القوى السياسية من الأول كان الوضع اتغير.. لكن أنا دلوقتى هاتظاهر كل يوم لحد ما يرحل».
التوتر يطغى على المتظاهرين، الحركة مُضطربة، والشائعات تزداد انتشاراً، بدأت بشائعة اقتحام الثوار للقصر، توافد الشباب حول الأسوار العازلة، عبروها بصيحات وهتافات ضد النظام استدعت أذهان بعضهم مشاهد من عبور القناة فى 6 أكتوبر، شائعات أخرى «هما الإخوان فعلاً عند مسجد رابعة دلوقتى وجايين على هنا».. يحاول الحاج يوسف مصطفى الذى جلس على رصيف «ترام» الميرغنى تلطيف الأجواء: «يا شباب متقلقوش هما عمرهم ما يفكروا إنهم ييجوا على هنا لأن عددنا كتير جداً».. الرجل صاحب الـ76 عاماً والذى كان يعمل قبل ذلك عاملاً فى المصانع الحربية لا تمنعه «زبيبة» الصلاة التى تُنير وجهه من إبداء اعتراضه على الإسلاميين: «دول بيطبقوا الإسلام بطريقة غلط، أنا مش بحب أى حد يتاجر باسم الدين».. التوافد على الميدان بدأ يأخذ منحى أكثر حذراً، بعد أن مد سكان مصر الجديدة المتظاهرين بأسلحة منزلية من مقتنياتهم، بعضهم أرسل أدوات مطبخ والآخر أرسل أدوات نجارة، فيما كان للأسلحة الخاصة نصيب فى الظهور كان بينها بنادق صيد.[Image_2]
الألتراس يقومون بمهمتهم فى إطلاق الشماريخ التى تغطى سماء «قصر الرئيس» بالألوان المُبهجة الذى وصل المتظاهرون إلى بوابته، بينما يحمل أحد الأشخاص الأعلام البيضاء مرسوماً عليها صورة الشهيد «جيكا» يُلهب حماس المعتصمين بشعارات ترفض الانسحاب بعد شائعة اقتحام الإخوان لميدان القصر، بينما يشكو الحاج «يوسف» -القادم من منطقة حدائق القبة- من سياسة «الرئيس» المُهتزة: «شخصيته ضعيفة جداً»، فى الوقت الذى يرن هاتفه فيجد أن المتصل هو أحد أولاده الذى يطمئن عليه: «أولادى لما بيقلقوا عليا بيتصلوا بيا»، خاتماً حديثه بابتسامة رقيقة: «ارحل يا ريس».
الاستعدادات الأمنية على أشدها عند مداخل شارع «الميرغنى»، وضعوا المتاريس، وشدوا السلاسل الحديدية، بينما زادت كثافة الشباب عند المداخل، مع تكثيف التفتيش، فقد نمى إلى مسامعهم أن بعض الإخوان سيحلقون ذقونهم وسيتخللون المعتصمين ويثيرون الفتنة، فى الوقت الذى يُراقب فيه «أحمد على» الشاب فى أوائل الثلاثينات المشهد بجلبابه الريفى الذى لم يرتدِ سواه طوال حياته: «جيت من القليويبة مخصوص عشان أعبر عن رأيى»، يرى أن المشهد قد تدهور «كله بسبب مرسى اللى قسم البلد.. منه لله»، موقناً فى قرارة نفسه أن «الشريعة مينفعش تطبق غير لما الجعان ياكل والعاطل يشتغل»، فهناك أولويات لا بد من حسمها قبل تطبيق أركان أو مبادئ الإسلام مُستغرباً: «طيب ما احنا مطبقين الإسلام.. هوه إحنا يهود».
الحناجر تضج بالهتافات، والجميع ينادى بتوحيد الصف: «وحدوا الصفوف.. الكتف فى الكتف»، بينما يركن العامل الزراعى «أحمد إبراهيم» بجلبابه الريفى وشاربه القصير الذى يزين وجهه وجسده النحيل على أحد حوائط العقارات المجاورة لقصر الاتحادية، الرجل الخمسينى جاء من محافظة الشرقية ذاق مرارة التعامل مع الإخوان داخل قريته «الشقوق»: «بيلعبوا فى عقول الشباب بفكرة مشروع الأنابيب.. وبعد كده بيخزنوها ويبيعوها فى السوق السودا.. وهما مش شايفين إن الكلام ده حرام لأنها تجارة»، مستنكراً اهتمام «مرسى» بـ«حماس»: «دول هما اللى قتلوا جنودنا فى رمضان اللى فات»، هذا علاوة على سوء اختياره لرئيس الحكومة «هشام قنديل»: «لو كان ساب الجنزورى كانت الدنيا اتغيرت»، يأتى كل يومين من قريته إلى ميدان قصر الاتحادية أو التحرير: «وقت ما يكون فيه مظاهرة ضد مرسى باجى أنا وابن أخويا»، شائعات قدوم الإخوان لا تعنى له شيئاً: «يبقوا جم لموتهم»، مُقرراً الاعتصام حتى رحيل النظام مجاوراً لقصر الاتحادية.. الليل قد أوشك على إسدال أستاره بينما يتناقص عدد المتظاهرين رويداً رويداً، فى الوقت الذى انزوى فيه أصحاب «الجلاليب» كلُ فى ركنه الذى يتخذه مبيتاً له حتى صباح اليوم التالى.