أعلم أنك لن تقرأ حرفاً مما أكتب، لكنى أكتب كلماتى هذه كى أقرأك فيها، وأستعيد بعضاً منك، بعد أن ترفعت عن الدنيا وانتقلت إلى مكان أفضل بكثير عن عالمنا.
صديقى القريب البعيد، يعجز قلمى عن تنسيق الحروف فى كلمات تخصك، إلا أننى سأحاول نظمها لرسم أبعاد إنسان ندر أن نجد مثله فى زماننا، كان «لؤى» حقاً «ابن موت» -هكذا كانت تقول أمه- وهو الـ«ملاك» كما رأى فيه الجميع بعد وفاته، خرج من دنيانا لأنه ليس للنورانيين مكان وعيْش فيها. الآن تأكد لى حقاً ما كنت أكتبه لك دوماً عبر صفحاتك على مواقع التواصل، من أنك «الأخ» الذى لم تلده أمى.
الجمعة الماضى.. كان كل شىء طبيعياً، الجميع غارقون فى مشاغلهم، حتى أنا، فجأة جاءنا خبر وفاتك، صمت وفجيعة صدمتنا، وبدأنا نسترجع فى لمح البصر كل المشاهد متقاطعة دفعة واحدة، بين فرح وشدة وحزن وألم.
فى لحظات الألم التى تلقينا فيها نبأ وفاتك، لم نكن نعلم أى منا الأجدر بالمواساة، أنت أم من عرفوك! فليس هناك شىء يمكن أن يؤلمنا من فراق بلا عودة، ليس هناك ما هو أشد على أنفسنا من أن نتلقى نبأ وفاة عزيز علينا، دون أن نودعه بكلمة، أو حتى نقول له شكراً، دون أن نستزيد منه الألفة والأنس والود، وكل المعانى الإنسانية التى غابت عن الدنيا.
بدأت معرفتنا منذ الطفولة، ولم تكن الدنيا قد أثقلتنا بعد بعوادمها وهمومها، ومع مرور الزمان كبرنا وبقيت الصورة كما هى، كنت المخلص لتلك الصداقة الحميمة، والجيرة الأصيلة، والوفى لكل جميل حتى آخر لحظات حياتك.
صديقى «لؤى» ألف عبارة محبة منى لك، لما قدمته لنا من خير كثير فى حياتى.. فهناك مواقف كثيرة كنت فيها السند تأبى أن تغادرنى، وإن غادرتنا، أتذكر عندما كنت أعانى الألم من «خلع كتفى»، فكنت أول من أجده إلى جوارى فى المستشفى، أتذكر أول مرة قصدت فيها قسم الشرطة بعد سرقتى، فكنت أول من هرع إلىّ فى القسم حتى لا تتركنى بمفردى، أتذكر حينما كنت تُشرك أولادى معك فى فعل الخير، لإفطار صائم، أو تنظيم قافلة توزيع الغذاء على البسطاء، كنت تزرع فيهم بعضاً من بساتين العطاء داخلك. أتذكرك يا «لؤى» وأتذكر دعمك لى فى كل ما واجهت من مشاكل منذ الطفولة، أتذكر كلماتك الأخيرة ونصائحك لى قبل ساعات من «وداع» لا عودة فيه.
«لؤى» الحبيب، كم أنت محظوظ فى حياتك وبعد وفاتك، شاهدتك فى جنازتك عريساً، كنت فى «الكوشة» وحولك الحور العين، منصوباً مرفوعاً على كتفك، يزفونك من دنيا الشقاء إلى دنياك الجديدة حيث الراحة الأبدية والخلود فى النعيم. ستظل ابتسامتك الرائعة مرسومة على وجهك، ممهورة ببراءة الطفل.
صديقى، حتى برحيلك دون علة أو مرض، أردت أن تعلمنا درساً، أن توقظ ضمائرنا، وتنبهنا من غفلتنا، فكل تلك الدنيا وما فيها، ليس للإنسان منها إلا المحبون والسيرة، والكلمة الطيبة، كل ما تقدمه هو لك، وكل ما تجمعه عليك، لا أدرى هل كنت أبكيك أم أبكى نفسى التى أسرفت.. نعم فقد بكيت على ضعفى وذلى وقلة حيلتى، على أننى لا حول لى ولا قوة، على أننى لا أملك من أمرى إلا الدعاء لنفسى بالنجاة.
رحلت يا صديقى، فاجتمع من فرقتهم الأيام والدنيا عليك، ومن بعدك تعاهدنا أن نكمل مسيرتك معاً فى الخير والبر دائماً، أقول ختاماً لك إلى اللقاء وليس وداعاً، فصورتك لن تفارق وإن فارق الجسد، ستبقى بيننا ضحكات ومواقف وخير وفيض.. لكننا سنفتقد جديدك.