34 ألفا و550 جنيها.. خسائر سعد زغلول في لعب القمار قبل إقلاعه عنه
سعد زغلول
"ويل لي من الذين يطالعون من بعدي هذه المذكرات"، كلمات بدأ بها سعد زغلول كتاباته الذي اعترف فيها بإدمانه لعب القمار وشرب الخمر، إذ يقول: «كنت أتردد بعد عودتي من أوروبا على الكلوب، فملت إلى لعب الورق، ويظهر أن هذا الميل كان بداية المرض، فإني لم أقدر بعد ذلك أن أمنع نفسي من التردد على النادي ومن اللعب، وبعد أن كان بقليل أصبح بكثير من النقود وخسرت فيه مبلغًا طائلًا".
وحكى سعد، عن حياته في أوروبا: «كنت أفطر مع الست والباشا، أي مصطفى فهمي، وحسين بن محمود صدقي في التاسعة، وبعد أن نتمشى مع الباشا قليلا نعود إلى البيت لنلعب البوكر مع الست وحسين إلى الساعة ثمانية، ونتمشى قليلا ثم نعود لنلعب البوكر إلى الساعة 11 مساء، وقد انفعل أثناء اللعب عند الخسارة وصادف أن الزهر كان يعاكس وكان زهر حسين سعيد، لكن مع ذلك كسبت ولم أخسر".
سعد زغلول الذي ولد لعائلة من الفلاحين من الطبقة المتوسطة بقرية "إبيانه" في دلتا مصر بمحافظة كفر الشيخ، دون في الكراسة 26 من مذكراته محنته تلك، وظروفه المالية التي كان يمر بها في مارس 1912، حيث تراكم عليه الدين لدرجة تفكيره في الاقتراض من السلطان حسين كامل والبنك العقاري.
صفحات مؤلمة سطر فيها سعد زغلول معاناته القاسية بسبب سقوطه في رذيلة لعب الورق تحت الفراغ، ومحاولاته التخلص من هذه العادة المخربة التي دمرته اقتصاديًا وماليًا، حتى تمكن من الإقلاع عنها.
"لا أزال أتردد بين الرغبة في اللعب، والرغبة عنه، يميل بي إليه الكسب ويزهدني فيه الخسارة، ولا أكاد أعدل عنه حتى أرغب فيه، وأبيت ليلة الخسارة وأصبح صباحها ناقما على نفسي ميلها، نادما على ما فعلت ندما شديدا، وأشعر من نفسي شعورا حقيقيا بالنفور من اللعب واللاعبين ومكان الاجتماع"، كما حكى سعد في 29 مايو 1916 تلك الفترة من حياته.
وأضاف سعد: "كلما اقترب ميعاد النادي كلما خف الندم، إلى أن ينعكس الحال فأميل إلى النادي، تدفعني شهوة قوية ويمنعني عقل ضعيف، وينتهي الحال بأن تتغلب عليه، وما أشعر إلا وأنا وسط اللاعبين"، تلك معاناة سعد زغلول التي استمر فيها لسنوات من عجزه عن الإقلاع عن هذا الميل.
وتابع: "كنت قبل 12 سنة 1901 أكره القمار وأحتقر المقامرين وأرى أن اللهو من سفه الأحلام واللاعبين من المجانين، ثم رأيت نفسي لعبت وتهورت في اللعب وأتى عليّ زمان لم أشتغل إلا به ولم أفتكر إلا فيه ولم أعلم إلا له ولم أعاشر إلا أهله، حتى خسرت فيه صحة وقوة ومالًا وثروة".
وأثر لعب الورق في حياة سعد زغلول وخاصة حياته الاقتصادية، حيث وقع الذي يقتني الضياع الواسعة، تحت طائلة ديون كثيرة، ما دفعه 1910 إلى أن يبيع الضيعة التي اشتراها بناحية قرطسا (بحيرة) لقاء اثنتي عشرة ألف جنيه.
وباع الضيعة الأخرى بدسونس ومطوبس 1918 بمبلغ 16 ألف جنيه، وضاعت كل إيرادات سعد في مدى عامين، وكانت عبارة عن مرتب الناظر "الوزير"، و1500 جنيه إيجارات باقي أطيانه، وأصبح مدينا بمبلغ 6550 جنيها، وبذلك بدد سعد الكثير من ممتلكاته.
ودون سعد في الكراسة 27 شرائه لأطيان قائلًا: "في يوم 10 أبريل 1903 اشتريت 168 فداناً و4 قراريط وسهمين خراجى أي مزروعة، كائنة بناحية قرطسا بمديرية البحيرة، باعتبار ثمن الفدان الواحد مبلغ 5 آلاف 325 قرشاً، عبارة عن 53 جنيه مصري وربع".
وأشار: "بلغ ثمن كل الأطيان ثمان مائة خمسة وتسعين ألف ومائتين واثنين وأربعين قرشا صاغا، عبارة عن ثمانية آلاف وتسع مائة إثنين وخمسين جنيه واثنين وأربعين قرش صاغ، اشتريتها من غير مواشي ولا آلات زراعة سوى الوابور المركب عليها والعزبة المبنية فيها، وكان فيها نحو السبعين فدانا مهيئة لزراعة القطن، وقد تعهدت بدفع المال على السنة كلها في نظير الخدمة التي بها، واستلمتها في اليوم التالي، ثم بعت الأطيان في سنة 1910 وذهب كل ثمنها أدراج الرياح فلم أستفد منه فائدة والله معوض الخسائر وجابر الكسائر".
مواقف مؤثرة ولوم من المقربين كان يعيده إلى عقله لوقت قليل حتى يضعف أمام شهوته، وتوترت علاقته بزوجته صفية زغلول ودار الشجار بينهما الذي كان مبعثه ذلك الداء الذي تمكن منه.
وقال سعد: "في 20 يناير 1917 توجهت إلى النادي وبقيت فيه إلى الساعة 2 بعد نصف الليل وخسرت مبلغ 310 جنيه، وعدت فوجدت زوجتي يقظة، فردت سلامي ببرود، وخلعت ملابسي وهي بجانبي وذهبت إلى محل الراحة، ثم تمضمضت ودخلت السرير، ودخلت بعد مخدعها، وكانت مضطربة تصفر تارة، وتخضر أخرى، وبعد أن اضطجعت، نهضت جالسة، وقالت أريد أن أعرف إلى أي طريق أنت مسوق؟ قد نفذ صبري، وفرغ تحملي، وأكلتني الآلام، وتراكمت علي التعاسة، وكنت أحن صدر كان يعطف علي، وأحكم رجل كان يمدني في الشدائد بنصائحه وآرائه، ذلك هو أبي فقدته، ولم يبقى لي إلا أنت ولكنك تعمل على إذابتي ولا تلاحظ صحتي فكم وجدتني في قلق واضطراب من هذه الحالة ولم يرق قلبك لتألمي ولا رثيت لحالي تسهر الليالي في اتعابي وتمضي أوقاتك في تعذيبي فقل لي قولا صريحا إذا كانت رذيلة اللعب تمكنت من قلبك وتملكت نفسك وأصبحت لا تقوى على الإقلاع".
والاقتراض كان السبيل الذي لجأ إليه سعد، بعد الندم من إدمان القمار الذي ضيع أمواله عليه، وقال: "إذا فاتحني فيها فاتح عاطف به، بأن أقول له إن الضرورة هي التي ألجأتني إلى هذه الرذيلة فإذا شئت إنقاذي منها، تفضلت بتسليفي ذلك المبلغ ولعنة الله علي إن عدت إلى مائدة اللعب".
وأضاف: "في ليلة 30 رمضان 1916 وأنا على سرير النوم اتفكر في حالتي المالية وعسرها خطر ببالي أن أعمل شيئا أكسب منه ما ييسرها وكنت علمت ان مدة حسن صبري في الأوقاف قاربت الانتهاء وانه بعد أن اخذت مسألة استعفائه تتردد بين الايجاب والسلب تقرر عدم التجديد فقلت ما الذي يكون إذا عرضت نفسي لها بشرط أن تعلو مكانتها".
ووصل سعد زغلول للمحطة الأخيرة من اللعبة بعد أن أكلت الأخضر واليابس وقرر الاقلاع عنها، فدون قائلًا: "كنت قد خسرت منذ فترة مبلغا كبيرا من المال في لعب القمار ولكن منذ 4 أبريل 1917 قررت ألا أعود للعب مرة أخرى، فكل ما كسبته خسرته في اللعب، لذا كان قراري بألا ألمس أوراق اللعب مرة أخرى، فلعب القمار هو للأسف بداية كل رذيلة، وكنت اعتقد في البداية أنني لن أتركه أبدًا".