قبل نكسة يونيو بعام، أى فى العام 1966، ظهر فيلم تعامل -بطريقته الخاصة- مع واحد من أهم الأحداث التى شهدتها مصر الستينات، يتمثل فى «حرب اليمن». وهو فيلم «ثورة اليمن».
عالج فيلم «ثورة اليمن» قصة حكم الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين -جسد دوره باقتدار الراحل صلاح منصور- الذى قامت الثورة اليمنية عام وفاته 1962 وتولى ولده البدر عرش اليمن، وحكى الدور الذى لعبه الشباب اليمنى فى الثورة من خلال شخصية الشاب اليمنى «منصور»، الذى تعلم فى القاهرة، ثم عاد إلى اليمن ليواجه حالة التخلف التى كان يحياها هذا القطر تحت حكم الأئمة، وليلعب دوراً مع قائد الجيش «عبدالله السلال» فى الإطاحة بالحكم.
ركز الفيلم على حالة التخلف التى عاشها اليمن، وكيف كان الإمام يحكم شعبه، اعتماداً على مجموعة من الخرافات والترهات، خصوصاً حين كان يجلس وإلى جواره أسد جائع وأمامه تجلس الرعية، لينعم على من يريد منهم بأرض فى الجنة، ثم يعلو صوت شريط مسجل يردد فيه أحد الأشخاص أنه جبريل أمين السماء، ويقول لهم إن الإمام ظل الله على الأرض وإن له الحق فى أموالهم وزرعهم وفى أنفسهم ويأمرهم بطاعته.
لا يخلو الفيلم من حقائق حول حالة التخلف التى كانت تضرب اليمن تحت حكم الأئمة، لكنه بالغ بشكل كاريكاتيرى فى بعض الأحوال فى وصف واقع التخلف، ما جعله يسقط فى فخ «الدعاية السياسية» فى مواضع عدة منه.
عند إنتاجه عام 1966 كان قد مر على تورط مصر فى حرب اليمن 4 سنوات، وكانت قواتنا المصرية تعانى هناك أشد المعاناة، بسبب الدعم السخى الذى كان النظام السعودى بقيادة الملك فيصل يقدمه للقبائل الداعمة للحكم الإمامى، بالإضافة إلى المساندة الإيرانية العلنية للنظام الملكى اليمنى، من منطلق انتمائه إلى المذهب الشيعى.
لم يتطرق الفيلم من قريب أو بعيد إلى المشاركة المصرية العسكرية فى القضاء على حكم الأئمة والتمكين للمشير «السلال» ورفاقه من الجمهوريين، وإنما اكتفى بالاستدعاء الرمزى لدور مصر فى تنوير وتثوير الشباب اليمنى عبر شخصية «منصور».
العام الذى أنتج فيه الفيلم يمنحك مؤشراً حول أهدافه فى غسل سمعة النظام بعد أن بدأت أخبار خسائرنا هناك تصل إلى مسامع المصريين.
بعد مضى ما يقرب من عام على التورط فى حرب اليمن عرض الرئيس جمال عبدالناصر على المصريين بعض الحقائق عن موضوع التدخل هناك، فأشار إلى أن مصر تدخلت فى البداية بقوة قوامها 2000 مقاتل، وأن عدد الشهداء حتى أكتوبر 1963 وصل إلى 21 ضابطاً و115 جندياً.
وبعيداً عن الخطابات الرسمية للرئيس لم يقدم الإعلام معلومات ذات بال عن خسائر مصر فى الحرب، بل اكتفى بسرد قصص البطولات المصرية فوق أرض اليمن، وقد كانت بالفعل بطولات عديدة ومتنوعة. لم يشر الإعلام حينها إلى ما حققته الكثير من الدراسات التى يقدر بعضها -أحمد حمروش فى كتابه عبدالناصر والعرب- عدد الشهداء بـ10 آلاف شهيد، وخسائر مالية تقدر بـ60 مليون جنيه إسترلينى، ويقدر بعضها الآخر-وجيه أبوذكرى فى كتابه الزهور تدفن فى اليمن- عدد الشهداء بـ20 ألف شهيد.
خاض عبدالناصر حرب اليمن كرد فعل على زوال دولة الوحدة المصرية السورية عام 1961، ولم يكن قرار الدخول فيها مدروساً بالقدر الكافى، وليس أدل على ذلك من أن مصر بدأتها بقوات لا يزيد عددها على 2000 جندى وأخذت الأمور تتطور حتى دفعنا بعشرات الآلاف من الجنود والمعدات فى محاولة لحسم الحرب دون جدوى، ولعب المال دوراً مهماً فى الصراع الذى شهدته أرض اليمن، وكانت أكياس الفضة والذهب سلاحاً من ضمن الأسلحة التى تستعملها الأطراف المتصارعة هناك، وأخيراً فقد كان للاندفاع نحو خوض هذه الحرب أثر مباشر على النكسة التى ابتلينا بها فى 5 يونيو عام 1967.
المشاهد التى حكيتها لك وكثير غيرها لم يتم إبرازها بالطبع فى فيلم «ثورة اليمن»، إذ لم يكن يستهدف ذلك، ولم يتم استدعاؤها أيضاً فى أى من الأعمال السينمائية التى عالجت أحداث فترة الستينات فى حدود ما أعلم.