في ذكرى ميلاد جورج سيدهم.. «حواديت» مسرحية بالصدفة وراء شهرة «ثلاثي الأضواء»
ثلاثي أضواء المسرح
في عام النكسة وبعد هزيمة 5 يونيو في عام 1967 كانت الشوارع مظلمة، لا مسارح، لا برامج كوميدية، حيث اختفت البهجة من الشارع المصري، حينها بزغت فكرة مسرحية «حواديت» للفنان الراحل جورج سيدهم - الذي تحل ذكرى ميلاده اليوم- والمخرج المسرحي الراحل محمد سالم، والذي يعد رابع ثلاثي أضواء المسرح، وخامسهم الشاعر الغنائي حسين السيد، بعدما لاحق الضيق والاكتئاب جورج سيدهم، وهرب منه للإسكندرية، لكن الحظ جعله يقدم فكرة مسرحية جديدة، فلم يكن يعرف حينها أن «حواديت» ستنقذه من الاكتئاب وستخرجه من ضيق الأزمة لأنوار الشهرة.
«الدنيا ضلمة»
رحلته للإسكندرية لقضاء إجازة والصدفة التي لعبت دورًا مصيريًا في حياته وقتها وكواليس العرض المسرحي، رواها جورج سيدهم في لقاء تليفزيوني قديم له: «قلت للمخرج محمد سالم: هنقعد كدا.. قالي لأ لازم نفكر في حاجة، ويومها كنت متضايق أوي، قلت أروح إسكندرية أقعد يومين، وأنا راكب الديزل، قابلت محافظ الإسكندرية الراحل حمدي عاشور، قالي جاي بلدنا ليه، قلتله متضايق، قالي عدي عليا في المحافظة نقعد شوية مع بعض، وعرض عليا إننا نعمل فرقة مسرحية في الإسكندرية، قلتله الدنيا ضلمة واحنا في حالة حرب ومفيش حد يجرؤ يعمل حاجة وحالة البلد صعبة، نعرض إزاي؟ قالي ملكش دعوة».
كلام «تطفيش»
لقاء الصدفة مع محافظ الإسكندرية أسماه جورج سيدهم وقتها «كلام تطفيش»، فلم يكن مقتنعًا بتقديم أي عمل وقتها لكنه خجل من حديث الرجل، وحينها عرض عليه المحافظ منحهم مسرح مجاني، وهو مسرح بيرم التونسي، مع توجيه غرفة تنشيط السياحة بمنح الفرقة المسرحية إعانة يومية قدرها 15 جنيهًا «كل ما يقولي حاجة، اطلب حاجة زيادة، وأقوله لا ده ميكفيش، ويقولي طب عاوز إيه تاني، وطلبت الأفيشات الخاصة بالسياحة مجانًا ووافق، فطلبت زيادة مبلغ الإعانة أيضًا، وبالفعل وافق على زيادتها إلى 30 جنيهًا في اليوم».
بروفات اللا شيء
هنا تأكد جورج سيدهم أنَّ محافظ الإسكندرية حديثه جاد، فأجرى اتصالاته مع الشاعر حسين السيد والمؤلف والكاتب المسرحي يوسف عوف، وبالفعل تمّ تأجير معهد خاص بالرقص لإجراء البروفات به «كنا بنعمل وقتها بروفات للاشيء، لكن السيد وعوف قالوا هنعمل فصل واحد والدنيا هتمشي، وفعلا بدأنا بروفات، وكان كل اللي يجي يفتكرنا بنهرج»، حتى أن نجوم كبار اعتذرورا عن المشاركة وقتها حينما شاهدوا البروفات، منهم نجلاء فتحي وكانت في بداية حياتها الفنية.
دعاية بـ«عربية كابورليه»
لم تتجاوز أغلى أسعار تذاكر دخول المسرح في السبعينيات الـ58 قرشًا وهي الصف الأول، ولتحفيز الجمهور للخروج من المسرح اعتمد جورج سيدهم على الدعاية بشكل مختلف، وكان وقتها يمتلك سيارة «كابورليه» وهي السيارة التي كان يخرج بها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر واشتراها من الرئاسة وقتها، وكان يستقلها ما لا يقل عن 18 شخصًا من الفرقة، علق عليها الدعايا، واتخذها سبيلًا لتعريف الناس بالعمل الجديد، حيث كان يجري بها جولات في مختلف أرجاء الإسكندرية، فلم يكن حينها يستطيع الإعلان عن المسرحية في التليفزيون.
«كامل العدد» لمدة أسبوع
ذهب جورج سيدهم لتقديم أول عرض للمسرحية، واضعًا يده على قلبه، سأل على استحياء عن عدد التذاكر المشتراة، وأصابته الدهشة حينما علم أنها بيعت بالكامل ولم تتبق تذكرة واحدة، بل إن الحجوزات أغلقت لمدة أسبوع كامل، ولم يصدق وقتها ما حدث، وهنا تعرف الجمهور على ثلاثي أضواء المسرح، ونجح العرض في إبهار وإسعاد المشاهدين. الفنان الكبير فؤاد المهندس كان من أبرز المشاهدين للعرض، وأشاد بالألحان التي تضمنتها المسرحية، وعلق وقتها: «اللي حاطط الألحان دي كإنه دارس مسرح» حتى أنه جعل حلمي بكر يؤلف ألحان المسرحية الشهيرة «سيدتي الجميلة»، وعن كواليس خروج ألحان مسرحية «حواديت» يحكي جورج سيدهم للإذاعية نهال كمال عبر برنامجها «لسة فاكر» على «ماسبيرو زمان»: «كان حسين السيد بيكتب الأغنية داخل المسرح واحنا بنعمل البروفات، وحلمي بكر قاعد ماسك العود، وبجواره الموزع، وتخرج الألحان تدريجيا» حتى مع العرض كان يتمّ إدخال بعض التعديلات من قبل حسين السيد، فمثلًا قرر تضمين العرض باستعراض بحري نظرًا لمناسبته لمكان عرض المسرحية بالإسكندرية.
رحلة المسرح تبدأ بمزحة
التلقائية كانت أبرز ما يميز كوميديا ثلاثي أضواء المسرح، 3 شباب يقدمون إسكتشات مسرحية على سبيل المزاح، لكنها لاقت إعجاب الجمهور، وفجأة انقلب المزاح لظاهرة فنية، من هنا انطلق قطار البداية، فقد استطاعوا تقديم القضايا المجتمعية التي تهم الجمهور بشكل كوميدي، فنجحوا في الوصول لقلوب وعقول المشاهدين بسرعة، وفق ما أوضحه الكاتب والناقد الفني مدحت أبو بكر، الذي أوضح أن تكامل الثلاثي جورج سيدهم وسمير غانم والضيف أحمد كان في تميزهم واختلافهم، فلكل منهم تكوين جسماني مميز، وصوت مميز، لكن شكلوا معًا فرقة أشبه بالآلات الموسيقية، يقدمون في تناغم معزوفة كوميدية مبهرة.
كوميديا أيضًا خلف الكواليس
يروي جورج سيدهم أبرز المفارقات والمواقف المضحكة وردود فعله خلف الكواليس وأغرب ما حدث وقتها «أول مرة أشوف سمير غانم عامل واحدة ست، وجايب شنطة عاملها جزمة، وتخيلت إني ممكن اتجوز واحدة شكلها كدا، نطيت من المسرح وخرجت برة، وفضلوا يدوروا عليا»، وعن دور الفنانة سهير الباروني قال «زمان كنت بشتغل مهندس في الإسكندرية، وكان ليا صديق أستاذ جامعي، كان غاوي يحضر الأفراح في المناطق الشعبية، ولما قدمت سهير الباروني دور العالمة، كتبنا المشهد من الكلام اللي سمعته وقتها، ونجح المشهد لأنه حقيقي وبيعبر عن الواقع، واستطاعت النجمة أداءه بشكل جيد».أما عن كواليس مشاركة الضيف أحمد في المسرحية، قال جورج سيدهم إنَّ الاكتئاب أصابه هو الآخر أيضًا خلال النكسة، حتى أنه قرر العودة لبلده والعيش هناك، لكن أقنعوه بالرجوع عن قراره، والمشاركة في العرض، فبلاد كثيرة أدمتها الحرب لكن لم تستغن عن الفن، بل كان المسرح يعمل تحت الأرض، حينها رجع الضيف أحمد عن قراره، وانطلق بإيفيهاته التلقائية، وكوميديته السهلة يقدم دوره على خشبة المسرح «مرة ضربته بالجورنال ولكن الضربة جت جامدة، فسألني إنت ضربتني بإيه، فبصيت في الجورنال وقلتله بالأهرام، قالي عشان كدا وجعتني».
لقاء الثلاثي صدفة في التليفزيون والشارع
بداية لقاء ثلاثي أضواء المسرح، كانت عبر صدفة جمعت جورج سيدهم خلال عمله بالتلفزيون في برنامج «تسالي»، بسمير غانم، ووقتها كانا يعرفان بعضهما خلال دراستهما الجامعية، واشتركا معًا في تقديم «سلامات حول العالم»، و«شحاتين حول العالم» مع عادل نصيف والتي لاقت إعجاب المخرج محمد سالم، واتفقوا على العمل سويًا ولم يحدث، إلى أن جاءت ذات مرة قوة أمنية لاستدعاء جورج سيدهم وسمير غانم لتغيبهما عن معادهما مع المخرج في موقف مضحك، وتفاجآ بوجود عدد كبير من نجوم الفرق المسرحية، قدموا وقتها الكثير من الأعمال التي لم يكتب لها النجاح، سوى «دكتور الحقني» وحينها اعتذر عادل نصيف عن العمل معهما، والتقى جورج سيدهم الضيف أحمد الذي انضم للثنائي، وقدم الثلاثي إبدعاتهم الكوميدية، فقدموا «كوتوموتو»، والتي أحدثت ضجة كبيرة لدى الجمهور، حتى وقت النكسة، فتوقفوا عن العمل حتى قدموا مسرحية «حواديت» وتكونت معها فرقة الثلاثي.