عمرى كله، التقيته أمس.. على مسرح احتفالية المرأة المصرية، حين جاورتنى الأستاذة نهاد أبوالقمصان مداعبة: «وبقينا نتقابل فى احتفاليات ومؤتمرات.. الله يرحم زمن الوقفات الاحتجاجية».. دعابتها لم تمر، استدعت لدىّ الجملة تلك السنوات التى قضيتها -ومصادرى من حقوقيات ونساء ورجال المجتمع المدنى- ننادى ونكتب ونُعلى من قضايا تخص المرأة، لا تبحث فيها إلا عن حق.. عن دور.. عن صوت.. عن تمثيل وتقدير.
مرت السنوات.. وها أنا هدى رشوان أقف الآن لأحتفل مع زميلات العمل ورفيقات أحلى سنوات العمل، بما لم نكن نتخيل أن يتحقق فى ٧ سنوات.. شق الهتاف حنجرتى وأنا أصرخ وسط قريناتى يوم ٣٠ يونيو: «صوت المرأة ثورة مش عورة».. وألهب التصفيق يدىّ وأنا أرى ثمار هذا الهتاف يوم ٢٣ مارس ٢٠٢٢ وسط عظيمات مصر، ممن جلسن يُحتفى بهن من قبَل رجل قال عنا ذات يوم: «لو أملك أن أفرض على الرجال مخاطبة النساء ويد كل منهم خلف ظهره حباً واحتراماً وتقديراً لفعلت».. لكنه لم يقل فحسب، والله فعل ما هو أكثر.
الآن، شعرت بمكاسب هتافى.. بشقاء سنوات العمل بين دورى كصحفية وعضو اللجنة الإعلامية للمجلس القومى للمرأة.. حينما استعرضت العزيزة الدكتورة مايا مرسى فى كلمتها أمام الرئيس السيسى الإنجازات التى حصلت عليها المرأة خلال الفترة الماضية.
لا أبالغ حين أقول إن الأحلام أصبحت واقعاً.. فى ٢٠١٠ شاركت فى تغطية احتجاجات نسوية وحقوقية هدفها التمكين فى المناصب.. اليوم اكتظت القاعة بالحضور بين وزيرات وقاضيات ونساء على رأس مؤسسات، لسن وردة فى عروة جاكتة، لكن صاحبات قرار وتأثير.
أتذكر جيداً مانشيتات امتلأ بها أرشيفى الصحفى، تطالب بتولى النساء منصب المحافظ ورئيس الجامعة، أمكث والتفتُ حولى فى القاعة، فأجدهن عن اليمين واليسار.. سيدات فى مناصب رؤساء جامعات ونوابهن ونائبات المحافظين ورئيس مجلس قومى لحقوق الإنسان لأول مرة فى مصر.
العديد من القضايا التى كنت أحارب لأكسر حاجز الصمت فيها حتى أصبح هناك العديد من القوانين التى تغلظ عقوبة الختان والتحرش والابتزاز الجنسى للفتيات.
أفرح ببنتى وصديقاتها، وهن يتحدثن عما ما عجزت أجيال عن مجرد ذكره.. تعلم صغيرتى من خلال معلمتها فى المدرسة حقوقها فى القانون.. تعلم الفرق بين الاعتداء والتحرش.. ترفض التنمر وتقاومه.. تؤمن بحرية الرأى والرأى الآخر والاعتقاد، حين كنت فى مثل سنها كان جيلى يقاوم الختان.. شتان الفارق بين دولة الحقوق ودولة التحريم.
نعم هذه هى إنجازات ثورة يونيو للمرأة المصرية، التى نفخر بها أمام العالم، نعم هناك إرادة سياسية ورئيس مصرى يحترم المرأة ويمنحها حقها دون تمييز.. يعرف أن ثلث نساء مصر امرأة معيلة، فيستوصى بهن خيراً ويواسيهن على حمولتهن الثقيلة، ويجبر بخاطرهن ويحقق مطالبتهن، ويزيد.
أنا «مكة».. صوتى «عمار».. أن تُنادى سيدة ريفية على رئيس الجمهورية، فيُدنى لها سمعه، وينصت إليها ويبادلها أطراف الحديث، ثم ينزل إليها من على منصته الرسمية حتى لا يكلفها عناء الصوت المرتفع، فهذا أمر غير معتاد لا على أذهاننا نحن، ولا على أعين سابقينا، أما أن تهرول تلك السيدة إلى رئيسها وتحتضنه كأخت -بميزان السن- أو كأم -بميزان المحبة- أو كابنة -بميزان العطف- فلا تفسير ثانٍ لذلك غير أنها امتلأت أمناً وأماناً ومحبة تجاه شقيقها، أقصد رئيسها، فى إيذان رسمى بأن صوت الحاجة مكة أصبح للعمار، لا للهتاف المطالب بحقوقها، مثلما كانت.
نعم لقد رزقنا الله إنسانية الرئيس السيسى، التى تشعر بها النساء، كل النساء، وزيرة كانت أم معيلة، فى بيت زوجها أو فى محل عملها، تُغلق عليها أبواب مسكنها أو تسير بمفردها فى الشارع، كلهن فى رعايته وحمايته، الآن نسير بلا خوف، ونعمل بلا خوف، ونتزوج بلا خوف، ونجىء ونذهب بلا خوف، والأهم «نحلم» بلا خوف.. فاللهم أدم علينا نعمة «السيسى وإنسانيته».