مواسم درامية كثيرة مرت علينا، وكان السؤال الأساس فيها «ما الذى حل بالكوميديا المصرية، ولماذا شهدت هذا التراجع، وكيف لمصر التى أنجبت العديد من الموهوبين فى الكوميديا وكلهم أصبحوا أيقونات، أن يصل بنا الحال لهذه الدرجة من السماجة والاستظراف؟».
تلك التساؤلات وغيرها تركزت حول سيطرة الكوميديا اللفظية المعتمدة على الإيفيه فقط، حيث اكتفى نجوم تلك الأعمال التى كانت تحاصرنا فى مواسم مختلفة من رمضان، بتلك الحالة، حيث يدخل كل منهم إلى موقع التصوير ويلقى بما يخطر على باله من «إيفيهات»، يتفوق فيها من يمتلك أسرع بديهة، لذلك كان من الأفضل أن يقف صناع الكوميديا مع أنفسهم ويعيدوا طرح كل ما سبق من تساؤلات حول طريقة تعاملهم مع النص الكوميدى وطريقة إخراجه، وكان من الطبيعى أن تغيب الكوميديا العام الماضى، لأن معظم صناع هذه الأعمال باتوا يخشون من كثرة الانتقادات التى تلاحقهم، حتى من كانوا يتجرأون ويستسهلون على أساس أنهم أصحاب شعبية ستجعل الجمهور يغفر لهم «الهزار السمج» الذى كانوا يطلقون عليه «كوميديا» توقفوا وتراجعوا، وانعكست تلك الوقفة على شكل الدراما فى موسم 2022.
حيث يتضح حجم المجهود المبذول فى الأعمال الكوميدية المتنافسة، والمفارقة أن هناك العديد من الأعمال الاجتماعية المعروضة تحمل خطوطاً كوميدية لافتة، ومن هذه الأعمال «دايماً عامر» لمصطفى شعبان، «وراجعين ياهوى».
مكتوب عليّا.. جهد واضح
ومن الأعمال الكوميدية التى يبدو أن صناعها عملوا كثيراً على النص، واعتمدوا على صياغة كوميديا تعتمد على الموقف من خلال صياغة نص درامى له ملامح وشخصيات مرسومة بشكل جيد إلى حد كبير، مسلسل «مكتوب عليّا» بطولة أكرم حسنى وعمرو عبدالجليل، وآيتن عامر، وهنادى مهنى، وحنان سليمان، والموهوب إسماعيل فرغلى، وعدد كبير من الفنانين وضيوف الشرف، ومنهم محمد ممدوح، وصلاح عبدالله، والكتابة لإيهاب بليبل -أعتقد أنه سيكون من الكتاب النابهين فى صياغة الكوميديا- والإخراج للموهوب خالد الحلفاوى صاحب الرصيد المهم فى الأعمال الكوميدية-نقدر نقول ببساطة أنها ملعبه- حيث لا يملك كل مخرج موهبة إخراج عمل كوميدى، لأنها مسألة أصعب بكثير من إخراج عمل درامى أو أكشن مثلاً، لذلك وعلى مدار تاريخ السينما المصرية، كانت هناك أسماء يشار لها على أنها أيقونات فى تقديم الكوميديا وعلى رأسها المخرج فطين عبدالوهاب، الذى قدم نجوم تراجيديا وميلودراما فى أفلام كوميدية، وهناك أيضاً عباس كامل أشهر من قدم «كوميديا farce»، وغيرهما على مدار تاريخ الفن المصرى.
تلك الحالة من التركيز تنعكس بشكل كبير على نجوم العمل، فهناك نص ومواقف يصيغها المؤلف، وبطل للعمل أكرم حسنى يعرف جيداً أنه يلعب دوراً مكتوباً يضيف إليه لمساته وإيفيهاته دون استسهال بعيداً عن نظرية «تعالوا نهرج». وحتى الفنانة الموهوبة حنان سليمان المشهورة بأدوارها البعيدة عن الكوميديا، تضبط نفسك وأنت تضحك من بعض حركاتها أو رد فعلها على أبنائها.
أكرم حسنى فى «مكتوب عليّا» يدرك تماماً أنه أمام تحدٍّ فى أن يقدم عملاً كوميدياً مصنوعاً بشكل جيد وتم بذل جهد فيه، أتمنى أن يستمر الحال بهذا الشكل طوال حلقات المسلسل، أيضاً فى ظل وجود الفنان عمرو عبدالجليل، القادر على إضحاكنا حتى وهو صامت وقبل أن يلقى بأى إيفيه.
الكبير أوى 6.. وذكاء مكى
يعرف أحمد مكى حجم الشعبية التى يحوزها مسلسله «الكبير أوى» بأجزائه الخمسة السابقة، والارتباط بشخصيات العمل، لذلك أدرك ومعه ورشة الكتابة والمخرج المتميز أحمد الجندى حجم التحدى والمغامرة التى يقومون بها. من هنا كان من الضرورى البحث عن خطوط درامية جديدة، وشخصيات تضيف إلى نجاح المسلسل، وهذا ما فعلوه تماماً عندما قاموا باختيار عدد من الوجوه الجديدة المبشرة من عروض مسرحية مختلفة، وأعطوها مساحات درامية مميزة، ومنها حاتم صلاح «الموهوب جداً» فى دور «نفادى» بتلك الضحكة السمجة، والغمزة، وتسريحة الشعر، حيث أصبح قنبلة ضحك بمجرد إطلالته فى المشهد (مشهد مباركته للكبير أثناء الفرح)، ورحمة أحمد -تجسد دور «مربوحة»- الموهوبة بالفطرة والتى تحمل روحاً من كبار نجمات الكوميدية المصرية، وأعتقد أن الحلقات المقبلة ستشهد مزيداً من التألق لرحمة فى مواجهة الكبير، ومصطفى غريب، الذى يجسد دور «العترة» ابن الكبير، والموهوبة الكبيرة سماء إبراهيم فى دور «الكبيرة فحت» التى أنقذ ظهورها المسلسل الذى بدا فى الحلقتين الأولى والثانية مرتبكاً فى إيقاعه.
الفنان أحمد مكى محترف صناعة كوميديا، يعرف جيداً كيف يعيد البريق لمسلسله ومعه أحمد الجندى، وفريق الكتابة ومنهم مصطفى صقر، ومحمد عز الدين.