استطاع المخرج الكبير الراحل على عبدالخالق بفيلمه الروائى الطويل الأول «أغنية على الممر» أن يصبح من المخرجين الكبار فى زمانه، ففكرة هذا الفيلم الذى خلّده التاريخ من وجهة نظرى جعلته يعدّ من أفضل أفلام السينما المصرية الحربية، وقد شرفت بإجراء سلسلة حوارات بمناسبة مرور 50 سنة على إنتاج هذا الفيلم مع المخرج الكبير، الذى كشف لى العديد من الأسرار والكواليس، فكشف لى «عبدالخالق» أنه جاءته فكرة هذا الفيلم قاصداً أغنية على الممر بعد أن قدم فيلمه التسجيلى الأول «السويس مدينتى»، عن أهالى السويس الذين رفضوا التهجير وقرروا المكوث فيها، فسرد هذا الفيلم حكايات لأهالى القنال وسط الغارات والتفجيرات، واستطاع هذا الفيلم حصد جائزة الدولة سنة 1970.
أكمل «عبدالخالق» كلامه معى قائلاً: بعد هذا الفيلم -قاصداً السويس مدينتى- عدت شخصاً آخر، وكلى حماس أن أقدم فيلماً عن الضباط والجنود، وظللت أبحث عن رواية أو سيناريو لفيلم يتحدث عن الجنود، إلى أن وقعت فى يدى مسرحية «أغنية على الممر» للكاتب الكبير الراحل على سالم، كتبها عن شقيقه المجند الذى استشهد فى نكسة 1967، ثم بدأ «عبدالخالق» يكتب لها السيناريو والحوار هو وصديقه السيناريست الكبير الراحل مصطفى محرم، دون أن يكون هناك منتج للفيلم، كما أن الإخراج فى هذا التوقيت كان صعباً للغاية بعكس هذه الأيام التى من السهل فيها أن تكون مخرجاً على حد تعبيره.
كشف لى «عبدالخالق» أنه ظل يومياً من التاسعة صباحاً يتنقل بين مكاتب مؤسسة السينما للموافقة على السيناريو، فيقولون له: «سيبه هناك لجنة تقرأ»، دون رد، ويذهب من مكتب لآخر، كما أنه لا توجد أى أبواب أخرى للإنتاج سوى باب مؤسسة السينما، ثم جاء رد اللجنة صادماً حيث كان ردها «ما بنعملش أفلام حربية، كما أنه كيف نسمح لمخرج لأول مرة بالسينما الروائية الطويلة بأن يقدم فيلماً حربياً.. طيب يا سيدى قدم فيلم عادى الأول»، لم يلتفت على عبدالخالق لهذا الكلام، وظل يتنقل بين مكاتب المؤسسة دون رد أو جدوى.
فى تلك الفترة كان «عبدالخالق» ضمن جماعة السينما الجديدة، المكونة من 13 شخصاً، أشهرهم: محمد راضى، ورأفت الميهى، وسمير فريد، وسامى السلامونى، والمونتير أحمد متولى، وكان هدف هذه الجماعة السعى لتقديم سينما مختلفة عن السائد، مقرها يقع فى 36 شارع شريف بوسط البلد، هذه المجموعة كانوا يتابعون قصة فيلمه وبحثه دون جدوى، وفى هذه الفترة تحمس للسيناريو السياسى الكبير عبدالمجيد أبوزيد، الذى كان وقتها رئيساً للتوزيع الداخلى والخارجى فى مصر، كما كان يشغل منصب أمين العاصمة بالاتحاد الاشتراكى، وكانت كلمته مسموعة لدى المسئولين بمؤسسة السينما، فاقترح عليه اقتراحاً بأن يتشارك مع المؤسسة العامة للسينما، بمعنى يدخل بمجهوده ويحصل على 20% من أجورهم هو والأبطال العاملون فى الفيلم مقابل أن يرى السيناريو النور، وبالفعل وافق على هذا الحل، خاصة أنه لم يكن هناك بديل، وذكر لى «عبدالخالق» أنه كان هناك مخرج فلسطينى وهو غالب شعث، لديه نفس مشكلته، فاقترح عليهما «أبوزيد» أن يقدما الفيلمين بالطريقة نفسها، بمعنى أن يدخلا بأجريهما كصُناع، بينما المؤسسة تتكفل بالديكورات والمادة الخام للفيلم.
لم ينس «عبدالخالق» أن يذكر أثناء حوارنا أن يتحدث عن نبل الفنانين الكبار مثل محمود مرسى، ومحمود ياسين، ومديحة كامل، وأحمد مرعى وغيرهم الذين وافقوا على العمل معه بنسبة 20% من أجورهم، بينما 80% فيما بعد وقد لا تأتى فى حالة لا قدر الله فشل الفيلم، والغريب أنهم كانوا لا يعرفونه ولا يعرفون غالب شعث، الذى قدم فيلمه الأول بـ«محمود ياسين ونجلاء فتحى»، وكان اسمه «ظلال على الجانب الآخر».
بعد أن انتهى «عبدالخالق» من تصوير الفيلم عُرِض جماهيرياً وحقق نجاحاً كبيراً، ظل 3 أسابيع بالسينمات الكبرى، وكانت الأفلام الناجحة تُعرض لعدة أسابيع بسينما كبيرة مثل «ديانا أو ريفولى أو كايرو» ومن بعدها بالإسكندرية. المهم السيد عبدالمجيد أبوزيد دعا وزير الحربية، الفريق صادق وقتها، ومعه «سيد مرعى»، رئيس مجلس الشعب، لمشاهدة الفيلم بسينما ريفولى، وقال لى «عبدالخالق» إنه ما زال يذكر جيداً مقولة سيد مرعى لهم: «الفريق صادق لن يشاهد الفيلم كاملاً، لأنه مرتبط بموعد ربما يشاهد ساعة فقط وينصرف، وهذا ليس موقفاً من الفيلم إنما لانشغاله بمواعيد أخرى». الغريب فى الأمر أن الفريق صادق ظل طوال الوقت، ولم يترك الفيلم بعد ساعة كما قيل، ثم قال لهم: هذا الفيلم كويس قوى عسكرياً.. فمن المشرف العسكرى على هذا الفيلم؟.
أشار «عبدالخالق» إلى أنه لم يكن هناك مشرف بالمعنى الحقيقى، لكن قال له: العقيد نور هو الذى يأتى لهم بالأسلحة، ثم أمر الفريق صادق بأن تذهب نسخة من الفيلم إلى ليبيا للعرض هناك، ثم سألهم: هل لكم مطالب؟، فقال له «عبدالخالق»: يا أفندم المعدات العسكرية اللى حضرتك شايفها دى دفعنا فيها فلوس، قال دفعتوا كام، فقال له 4 آلاف جنيه. كانت ميزانية هذا الفيلم بالكامل وقتها 19 ألف جنيه شاملة أجور الفنانين، فقال له الفريق صادق: خلاص.. النهارده بالليل الساعة 12 حد منكم يروح للواء «فلان» بالشئون المعنوية هيلاقى شيك بالمبلغ، ثم سأله: هل لديك مطالب أخرى، فقلت له إننى أتمنى أن يأخذ الجيش 15 نسخة، فقال: لا.. الجيش هياخد 30 نسخة، وسأله مختتماً: هل لديك مطالب أخرى، فقال: يا أفندم الجيش بيشترى حفلات فى السينمات والمسارح لترفيه الضباط والجنود، فقال: خلاص 3 أسابيع سينما ديانا تغلق لعروض القوات المسلحة، فى الأربع حفلات.. وهذه المبالغ حد يروح بالليل للشئون المعنوية ياخد شيك بالمبلغ. وكان هذا المبلغ قدره 15 ألف جنيه، يعنى كده «الجيش كسب الفيلم» لذا هذا الفيلم، أقصد «أغنية على الممر»، يعد عملاً للتاريخ.