أثناء كتابتى سلسلة مقالات «فى معنى رجل الدولة»، وقّعت مصر عقد «رأس الحكمة»، وكان لزاماً التقاطع مع الحدث الآنى، والكتابة عن أكبر صفقة استثمار مباشر فى تاريخ البلاد، ووجدت أن ثمة رابطاً بين الموضوعين.. «رجل الدولة» و«رأس الحكمة».
فى كلمته عقب مراسم توقيع عقد «رأس الحكمة»، وجَّه الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، الشكر للرئيس عبدالفتاح السيسى، وللشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات، على رعايتهما ودعمهما الكبير للمشروع، والذى بدون دعمهما الكامل وتوجيهاتهما للفريقين من الدولتين بالإسراع بالتنفيذ والانتهاء من الإجراءات التنفيذية لهذا المشروع، ما كان ليرى النور فى هذا الوقت القياسى.
ومشروع «رأس الحكمة» يأتى فى إطار مخطط تنمية الساحل الشمالى الغربى، الذى بدأ بمدينة «العلمين الجديدة»، والذى يأتى ضمن المخطط الاستراتيجى القومى للتنمية العمرانية (2052)، الذى بدأ وضعه مع بداية الفترة الرئاسية الأولى للرئيس السيسى عام 2014، واستغرق إعداده مدة عامين، ويتم تحديثه كل 5 سنوات، وفقاً لمعدلات التنفيذ، ومحددات الوضع الاقتصادى العام.
المؤكد أن «رأس الحكمة» هى أكبر صفقة استثمارية فى تاريخ مصر بقيمة 35 مليار دولار، وجاءت وسط أزمة اقتصادية خانقة، لكنها أعطت الجميع -مسئولين ومواطنين- بصيصاً من الأمل فى قدرتنا على عبور تلك الأزمة، والمؤكد أيضاً أنه لولا وقوف الرئيس السيسى وراءها، ما كانت لتتم بهذه الكيفية، وما كانت ستستحق لقب «الأكبر».
الأزمة كانت حاضرة بقوة، وهى ضاغطة بكل عنف على المصريين على اختلاف طبقاتهم، وكما قال الفيلسوف الإنجليزى «توماس هوبز» منذ القرن السابع عشر: «إن المجتمع والدولة معاً بحاجة ماسة إلى رجل الدولة أثناء الأزمات وأيام الحروب الصعبة»، قام «السيسى» بدوره كرجل دولة وليس كرئيس فقط، وأنجز صفقة «رأس الحكمة» التى لم تخرج عن مشروعه التنموى والنهضوى الذى بدأه منذ يومه الأول رئيساً لمصر.من المقولات التى يحفظها التاريخ لرئيس الوزراء البريطانى الراحل «وينستون تشرشل» عن الفارق ما بين السياسى ورجل الدولة أن «السياسى يُفكّر فى الانتخابات المقبلة، ورجل الدولة يُفكّر فى الأجيال القادمة».
الرئيس السيسى كرجل دولة لا يتعامل مع الأزمات وفقاً لغوغائية منصات التواصل الاجتماعى، و«شوشرة» غير المدركين للفروق الدقيقة فى تفكير رجل الدولة، وعندما يرى أن هناك خطأ ما، يشير إليه بوضوح، ويصارح الشعب بكل صراحة، وينطلق لتصحيح الوضع، فى إطار رؤيته الواضحة لما يمكن أن تصبح عليه مصر وشعبها فى المستقبل، وما سيورثه للأجيال القادمة.
بدأ الرئيس «السيسى» حكمه للبلاد وكل همه أن يصل بها فى مدة وجيزة إلى درجة يصعب تصديقها، والمصريون يدركون تماماً ما يفعله، ويصدقونه، ولا يتشككون فى نواياه، ولذلك أبهروا العالم فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ليس فى تجديد الثقة فى الرئيس فقط، ولكن فى حجم المشاركة غير المسبوقة بكل هذه الأعداد رغم شعور الجميع بحجم وآثار الأزمة الاقتصادية.
يثق المصريون فى قدرة الرئيس «السيسى» كرجل دولة يعرف كيف يتعامل مع الأمور كما ينبغى، فى الوقت المناسب، على الوجه المناسب، ويرونه مقداماً جريئاً، عندما يستدعى الأمر منه ذلك، ومتواضعاً هيناً فى مشاهد أخرى، كما رأوه مؤخراً فى احتفالية «قادرون باختلاف».
يستشهد المؤرخون فى كتاباتهم عن التجارب العظمى للدول بمن صنعوها ممن تنطبق عليهم صفات رجال الدولة، أصحاب القدرات الخاصة التى لا يمتلكها غيرهم، ولا يستطيعون حتى تقليلها.
ورجل الدولة فقط هو الذى يمكن أن يُشار إليه، نظير القرارات التى اتخذها فى الأوقات الصعبة، أو المشروعات الاستراتيجية التى أنجزها.
وهو من حقق أكبر قدر من النجاح فى كافة المجالات -داخل الوطن أو خارجه أمام المجتمع الدولى- وهو من وضع أمامه مجموعة من الأهداف العليا، أهمها على الإطلاق الحرص على مصالح بلده ومواطنيه، ومن توافرت فيه هذه الصفات المضافة على صفته كرجل سياسة، استحق أن نصفه بأنه «رجل دولة».
معظم من يحكمون دول العالم من رجال السياسة، ولا يمكن بأية حال أن يطلق عاقل عليهم جميعاً أنهم رجال دولة، وشاءت الأقدار لمصر أن يقودها الرئيس عبدالفتاح السيسى كرجل دولة، قادر على الإنجاز رغم كل الصعوبات، ولا يلتفت للمارقين والسفهاء، ويعرف كيف ينطلق بها لأن تصبح هى الدولة الحديثة التى يعرفها العالم المعاصر.