فى مشهد جديد على السياسة الأمريكية خرجت نائبة الرئيس الأمريكى كامالا هاريس بكلمات تعبر فيها عن حزن إنسانى كبير لما يشاهده العالم فى غزة كل يوم.
وقالت: ما نراه كل يوم فى غزة فظيع، لقد رأينا تقارير عن أسر تأكل أوراق الشجر والأعلاف، ونساء يلدن أطفالاً يعانون سوء التغذية برعاية طبية قليلة أو معدومة، وأطفال يموتون بسبب الجفاف وسوء التغذية.
وقالت: لقد قتل عدد كبير جداً من الفلسطينيين الأبرياء فى محاولة تأمين الغذاء لأسرهم قوبلوا بإطلاق النار والفوضى، قلوبنا تنفطر لضحايا هذه المأساة المروعة ولجميع الأبرياء فى غزة الذين يعانون من كارثة إنسانية، إنسانيتنا تجبرنا على التحرك، لهذا التزمت الولايات المتحدة بتوصيل المساعدات التى تنقذ الحياة بشكل عاجل.
ثم تناولت عملية الإنزال الأولى للجيش الأمريكى، التى ستتواصل عن طريق البحر.
كما أنها ولأول مرة قالت إن على إسرائيل العمل على زيادة تدفق المساعدات وفتح معابر حدودية جديدة، وعليهم التأكد من عدم استهداف العاملين فى المجال الإنسانى والمواقع والقوافل لإيصال الغذاء والماء والوقود.
من الواضح أن الولايات المتحدة قد ضاقت ذرعاً بنتنياهو وسياسته وحكومته، التى أحرجت العالم كله، بعد أن وقف عاجزاً أمام هذا الجنون الإسرائيلى الذى قتل ودمر وجوّع وسجن شعباً بأكمله، وقف العالم عاجزاً لا يستطيع أن يحمى مدنيين مسالمين لا يملكون سقفاً يؤويهم أو خبزاً يسد رمقهم، لقد تسبب نتنياهو فى فضيحة إنسانية للولايات المتحدة ولكل الغرب، الذى ظل يرفع راية حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية عقوداً من الزمن، وأنشأ المنظمات وسن القوانين وتدخل فى سياسات دول باسم حقوق الإنسان، حتى جاءت أحداث غزة المفزعة لتكشف عنهم الغطاء وتعريهم أمام شعوبهم.
على الرغم من أن تصريحات هاريس، نائبة الرئيس الأمريكى، تعد هى الأولى التى يتجرأ فيها مسئول أمريكى ويوجه رسالة إلى إسرائيل، فإنها -فى رأيى- محاولة لتحسين صورة الولايات المتحدة التى أجهز عليها نتنياهو.
كما أنها تأخرت شهوراً طويلة، قتل فيها عشرات الآلاف وأصيب فيها مئات الآلاف وتهدمت آلاف المنازل، وشُرد شعب بأكمله، لكنها ربما تكون مقدمة تشير إلى بعض التغير فى سياسات الولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية.
وهذا التغير يجب ألا نتفاءل به كثيراً، لأن أمريكا ستظل أمريكا حتى لو عدلت بعضاً من خطابها، وإسرائيل ستظل إسرائيل حتى لو بدا بعض الخلاف بينها وبين الولايات المتحدة، والخلاف هنا ليس على مبادئ، أو لأن الولايات المتحدة اكتشفت مؤخراً أنها أجرمت فى حق الشعب الفلسطينى، ولكن لأن صورتها أصبحت مشوهة، بينما الانتخابات على الأبواب والسياسة تقتضى بعض المرونة التى لا تخل بالثوابت الدائمة بين إسرائيل وأمريكا.
لقد ألقت الولايات المتحدة ببعض المساعدات للفلسطينيين فى غزة، وتعرضوا للقتل كما تعرضوا حين أنزلت القوات المصرية المساعدات، وهذا يعنى أن حالة الجنون التى أصابت إسرائيل وحكومتها لا يكفى فيها مجرد مساعدات تلقى من الجو أو عن طريق البحر.
ولكن توجد أمام الولايات المتحدة الأمريكية إذا كانت جادة فى مساعدة الشعب الفلسطينى سبل أخرى كثيرة تستطيع الإقدام عليها، وهذه السبل هى أهم وأكبر من إرسال مساعدات، على الرغم من أهمية إرسال المساعدات لأهل غزة.
إذا كانت الإدارة الأمريكية تعتقد أنها بإسقاطها مساعدات لأهل غزة تكون قد قامت بدور إنسانى مهم، فهذا غير صحيح.
وإذا كانت تعتقد أن صورتها قد تحسنت فهذا أيضاً غير صحيح، لأنها شريك كامل فيما وصلت إليه إسرائيل من انتهاكات، الولايات المتحدة الآن هى القوة الوحيدة التى تستطيع حل القضية الفلسطينية، فإن لم تقدم خطوات جادة وحاسمة وواضحة نحو الحل فكل ما فعلته أو ستفعله هو مجرد دعاية لا أكثر ولا أقل.