كان الله فى عون الحكومة الجديدة، حتى الوزراء ممن ظلوا فى مناصبهم فى التشكيل الجديد، سيجدون أنفسهم مطالبين بمجهود خرافى، ومسئولين عن معضلات ومشكلات بعضها متوارث من حكومة إلى أخرى، والبعض الآخر تفجر من رحم الأزمات الداخلية والخارجية المتواترة، وجزء منها يحتاج إلى مشرط جرّاح شاطر وجرىء ولديه رؤية لما بعد الجراحة، وهى الرؤية التى تستبعد موت المريض، ولكن تضمن له نوعية حياة أفضل.
فى الطب، يأخذ الفريق المعالج أحياناً قرارات علاجية قد لا تكون هى الأفضل فى عرف المراجع الطبية والنظريات الصحية، ولكنها تحقق قدراً أو حداً أدنى من جودة الحياة للمريض. ما الفائدة أن يظل المريض خاضعاً لجلسات علاجية مكثفة باهظة الكلفة تسبب له إنهاكاً مستمراً وعدم القدرة على الوقوف على قدميه، ولكنها تضمن عمل الرئتين والكبد والكليتين بشكل جيد؟!
المريض يحتاج إلى أن يستنشق نسمة هواء تحقق له قدراً من جودة الحياة، ولو بصفة مؤقتة، قبل أن يعاود الخضوع للعلاج.
رسالتى للحكومة الجديدة هى أن نسمة هواء عليل -ولو مؤقتة- مطلوبة وبشدة وبسرعة.
وعلى ذكر نسمة الهواء العليل المفتقدة بشدة هذه الأيام، وحيث إن نبض الشارع هذه الأيام غير راضٍ عن وضع الكهرباء، وذلك على الرغم من درجة وعى كبيرة وملحوظة بأن جانباً من المشكلة يتعلق بالكوكب، أتمنى أن تنجح الحكومة الجديدة فى الأيام -ويُفضَّل فى الساعات الأولى- لها فى مخاطبة الشارع استباقياً، وليس من باب رد الفعل، أو درء الخطر، أو علاج الآثار.
اعتذار الوزراء أو الوزارات عن الأخطاء أو الاضطرار لانتهاج سياسات أو اتخاذ قرارات صعبة أو قاسية أو تتسبب فى مشكلات للمواطنين أمرٌ عظيمٌ افتقدناه عقوداً طويلة.
لكن ما نأمله ليس فقط استمرار نهج الاعتذار، الذى هو من شِيم المحترمين الذين يقرون بأخطائهم ولا يكابرون أو يتغطرسون أو يتجاهلون الناس، ولكن العمل على أن يكون المواطن على علم بما يجرى أولاً بأول.
ومن فوائد هذا الإخبار أو الإعلام أنه يجعل المواطن شريكاً متفهماً فى الضراء قبل السراء.
وما دمنا ذكرنا السراء، فإننى أشير إلى أن ما شهدته مصر فى مثل هذه الأيام قبل 11 عاماً من ثورة عارمة من قطاعات عريضة من الشعب ضد المضى قدماً لتحويل مصر إلى دولة دينية على يد جماعة الإخوان المسلمين وشركائها وأبناء عمومتها كان من أفضل ما حدث فى تاريخ بلادنا المعاصر.
مشاركة الفئات «الكنبوية» التى لم تشارك يوماً فى فعالية عامة أو تظاهرة سياسية أو تُدلى حتى بدلوها فى قرار أو إجراء أو سياسة تعنى أن ما كانت مصر مقبلة عليه من تحول مؤكد إلى دولة «ملالى»، أو عزبة مرشد، أو تكية جماعة تعتبر نفسها فصيلاً مختلفاً ومتميزاً ومتفرداً عن باقى أفراد المجتمع كان خراباً مؤكداً.
أن تصلح نظاماً سياسياً، أو تعيد هيكلة نظام اقتصادى، أو تهدم مبنى تم تشييده بطريقة خاطئة لتعيد بناءه بأسلوب صحيح أمورٌ مقدور عليها. ما ليس مقدوراً عليه هو أن تزيح جماعة تعتبر نفسها وكيل السماء ومندوب الله وصاحب الحق الحصرى فى تدوير شئون الدين.
لماذا؟ لأنك بذلك ستكون معارضاً للسماء وعدواً لله وخارجاً على الدين.
تحية خالصة لثورة 30 يونيو ولكل من قال: يسقط حكم المرشد!
وعلى سيرة المرشد و«الإخوان» وأبناء عمومتها من جماعات وحركات، أقول إن مسيرة المصريين للتحرر من الفكر المسموم ورفض قيام الدولة الدينية بدأت فى 30 يونيو 2013 ولم تنته.
المسيرة صعبة وطويلة، فيها الكثير من الشد والجذب، وأصعب ما يعتريها المقاومة المكتومة أو المموهة، بمعنى آخر، بيننا مَن يبدو وكأنه يقف معنا على جبهة 30 يونيو، لكنه فى قرارة نفسه، وبحكم مصالحه، أو حتى من منطلق ما أصابه من فكر ملوث ورجعية مميتة وتزمّت هبط على المجتمع مرتدياً جلباب الالتزام، لكنه يقاوم تجديد أو تطهير أو تنقيح الخطاب والفكر الدينى بكل ما أوتى من قوة.قوة المجتمع تنبع من قدرته على تجديد نفسه بنفسه.
الاقتصاد بالغ الأهمية، وأوجاع الناس النابعة من جيوبهم ينبغى أن تكون على رأس قائمة أولويات الحكومة الجديدة.
ونأمل بالطبع أن تأتى حاملة فى جعبتها الجديد، لا سيما فى ملف الاقتصاد، شرط أن يكون الجديد مرتكزاً على أسس علمية مدروسة، ونتائج منطقية متوقعة تعتمد على التخطيط والعلاج الجذرى وتوقيتات صارمة ومحددة، لا سيما أننى لا أعتقد أن الحظ سيخدمنا أكثر من ذلك.
قوة المجتمع أيضاً لن تتحقق إلا بتطهير فكره، وما أفسدته جماعات الإسلام السياسى وأصحاب شركات استيراد الفكر المتطرف والتدين المظهرى السطحى على مدار عقود، لن تصلحه خطبة فى جامع أو مقال رأى أو احتفاء بذكرى المطالبة بتجديد الخطاب.
يوم يتفوق عدد المراكز البحثية العلمية على غيرها من المراكز والمؤسسات، نكون قد بدأنا الطريق.