موضوع لطيف نشره موقع «المصرى اليوم» عن زيارة قام بها المشير حسين طنطاوى إلى حى السيدة زينب، لشراء «السوبيا» من أحد المحال الشهيرة ببيعها بالحى، وبعد أن نفح الشاب الذى أحضر له الطلب 20 جنيهاً، اشترى ربع كاجو وربع فستق، من «المقلة» المجاورة لمحل «السوبيا»، ثم انطلق به السائق. دعونا ننح السياسة جانباً، انطلاقاً من أن السياسة لا تستقيم على وجهة نظر واحدة، ولننس أيضاً ما هو ثابت ومعلوم بالضرورة من أن المشير «طنطاوى» واحد من أهم قادة الجيش المصرى، حرص كل الحرص على الحفاظ على الهوية والعقيدة القتالية للقوات المسلحة، واحتفظ للجيش المصرى بلياقته القتالية ونماه على مستوى التسليح، وأن «مبارك» لم يكن يجرؤ، وهو رئيس للجمهورية على مجادلة «المشير» فى هذه الأمور.
بعيداً عن أمور السياسة، دعونا نتوقف أمام هذا المشهد من زاوية إنسانية، ونقول إن ثمة أماكن وعادات وطقوساً معينة يرتبط بها الإنسان برباط عميق، ومهما تدفق العمر وجرت به السنون، فإنه يحن من لحظة إلى أخرى إلى تلك الأماكن، وما يربطه بها من عادات وطقوس. ولا يدرك سحر حى السيدة زينب، إلا من عاش فيه، فهو من المواضع التى تمتلك ما كان يطلق عليه جمال حمدان «شخصية المكان»، وقليل من المواضع فى مصرنا المحروسة تتمتع بهذه الميزة. حى «السيدة» له شخصية فريدة، جوهرها الأصالة، فكل ما فى المكان يشهد على فكرة الأصالة، وفوق هذا، فإن أهله تعودوا على ما يمكن أن نطلق عليه «عصرنة الأصالة» إذا صح التعبير، بمعنى الدفع بما هو أصيل إلى أجندة العصر، وذلك هو جوهر عبقرية هذا المكان، ومفتاح السر الذى يربط بين المشير «طنطاوى» وغيره من نجوم المجتمع بهذا الحى. مشروب «السوبيا» (المطبوخ) الذى ذهب المشير إلى السيدة يبحث عنه من أقدم المشروبات فى مصر، لكنك تستغرب كيف استطاع ذلك المحل دفعه إلى قائمة المشروبات الحديثة المصنعة.
يليق بالإنسان، أى إنسان، أن يختلس لحظات يطير فيها إلى تلك الأماكن التى يسترد فيها روحه، ويغسل على عتبتها همومه، ويسترجع من خلالها ذكريات تشعره بأنه لم يزل جزءاً من الحياة. صور كثيرة تداولتها الصحف والمواقع للمشير «طنطاوى» أثناء وبعد تركه المنصب، لكننى لم أجده ضاحكاً فى صورة، مثلما وجدته فى تلك الصور «السيلفى»، التى التقطها معه الشاب، الذى أحضر له «السوبيا»، وأعطاها لموقع «المصرى اليوم»، كان وجهه مرتاحاً بشكل لافت. أحياناً ما يبحث الإنسان عن السعادة فى المال، أو المناصب، أو النفوذ، ويرهق نفسه إرهاقاً لا ينقطع من أجل تحقيق ما يطمح إليه، ظناً منه أن سعادته ستتأتى عندما يصل إلى ما يريد، وحقيقة الأمر أن الحياة أبسط من ذلك بكثير، وأن السعادة ليست هدفاً بعيداً، كما يظن، بل هى على مرمى بصره، وأن علته فقط هى قصر النظر، الذى يحول بينه وبين رؤية الأسباب البسيطة للسعادة التى تقع على بعد شبر منه. رضى الله تعالى عن السيدة زينب، صاحبة المكان وأرضاها.