عم عوف، وعم فوزى وهبة، وعم طلعت، وعم عبدالشافى.. أربعة صحاب.. يتجمعون فى سوق العتبة... عم سوستة بيعمل قهوة... ناصية عم سوستة فى ركن السوق.. يشرب الأصحاب القهوة. عم فوزى وهبة وأبويا شركاء فى فاترينة الراديوهات، وعم طلعت لوحده وعم عبدالشافى لوحده.
الأربعة قبل واحدة الصبح يركبوا تاكسى لمحطة مصر... يركبوا قطار غزة... عوف بيحب البلاطى الصوف فى الشتا والسجاير الروثمان الزرقا... ولاعته دهبى ساقية.. شعره كنيش بسوالف وشارب منتظم.. كان نحيف.. كلامه بسيط.
فى القطار معظم الركاب تجار.. ياخدوا من مصر بضايع.. ويجيبوا من فلسطين بضايع.. عوف بدأ التجارة بالإيشاربات وبعدين القمصان النايلون وبعدين الراديوهات.
فوزى اقترح يجيبوا ساعات.. كانت الساعة غالية مش كل واحد لابس ساعة.. والأدق والنادر ساعات السيدات.. قلق عوف.. ما يحبش يتفاجئ.. الجمرك فى غزة.. جمرك خفيف زى جمرك بورسعيد.. التجارة ساعتها بين مصر والشام سهلة.. قبل ما تظهر بيروت فى السبعينات كانت غزة فى فلسطين تجارة نشيطة فى الستينات.. عوف ما يكملش العشرين وهو بيطلع قطار فلسطين.. بيقعد جنب الشباك، الليل بيحب الخيال.. وعوف سرحان.. مش من الناس اللى فى المواصلات بتنام.. قعدت فلسطينية تبص لعوف، ضحكت، عارف إن المصريين دمهم خفيف بس عوف ما بيزودش فى كاسه.. طول عمره لا يحب التسلية ولا المزاولة.. بس هى متضايقة.. لأنه الوحيد اللى صاحى، معظم الركاب نايمة.. زهقت من صمت عوف.
القصد البنت الجميلة وقفت على الكرسى ورفعت إيديها لسقف القطار.. وبدأت تفك لمبة القطار.. لفت لعيون عوف وابتسمت وهى بتحذره.. ورفعت شنطة مليانة بضاعة تخرج من الشنطة وتخبى فى سقف القطار.. لحد ما خبت البضاعة كلها فى سقف القطار.. رمت الشنطة على الأرض وهى بتشاور لعوف.. فاق من المفاجأة.. وهى بتشاور له.. يساعدها ويمد لها اللمبة عشان ترجعها مكانها.
الغريب إن اللمبة نورت... فى الجمرك على الحدود فى غزة.. القطار اتفتش على ضوء اللمبة نزل عوف وأصحابه فى غزة، طلب عبدالشافى يزور قرايبه فى القدس.. فى المسافة من غزة للقدس ركبوا تاكسى.. عبدالشافى نسيبه من القدس.
دخلوا بيت نسايب عبدالشافى.. اتغدوا والكرم مالوش آخر.. هنصلى فى القدس.. عوف ووهبة وعبدالشافى دخلوا مصلى الأقصى.. وطلعت صلى فى كنيسة القيامة. المغرب غريب.. لازم نلحق نتسوق قبل ميعاد القطار. اشترى عوف الراديوهات ووهبة اشترى ساعات.. وعلى المحطة لقى الفلسطينية بتهل على عوف.. شايلة هدية ولقمة هنية.. ودعته بحب.. حست إنه أمين على السر. قالت: ما تفتحش الهدية إلا وانت فى القطار.. لكن عوف قال: الأكل ماشى لكن... قالت: الهدية سر، يا عالم إيه اللى جوّا السنين..
احنا اتقابلنا من غير ميعاد، واللى اتقال بالعيون أسرار.. وسر بسر، ده خاتم أبويا الفضة بينى وبينك هديتى ليك محبة خالصة. والقطار زمجر وبدأ يتحرك وأصحاب عوف بتنادى.. ما لحقش عوف على إيديها يسلم.. كأنها حلم فاق قبل ما يتحقق.. جرى بيهم قطار العودة من غزة لمحطة مصر.. الغريب إنه فى محطة مصر وقبل ما يخرج من القطار.. خاتم الفلسطينية اختفى!
بعد أربعين سنة وعوف ماشى فى خان الخليلى رايح يزور جاره عم سعيد دبش لقى الخاتم الفضة معروض فى الفاترينة، كأنه شاف وش البدر الفلسطينى، هلت روايح الأقصى والسجدة، وكأن الزمن استدار شاف المقامات، والمصلى والأبواب. كان المهدى لابس خاتم الفضة وهو بيفكر.. الله أكبر الله أكبر..