فى جلسة عمل مع المطرب أحمد جمال بأحد استوديوهات الصوت وجدته شارداً يدندن «أخى جاوز الظالمون المدى»، رائعة موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب غناء ولحناً، ومن كلمات الشاعر على محمود طه؛ لأجد نفسى والحاضرين فى لحظات صمت نستدعى فيها مشاهد الألم التى نعيش معها منذ أكثر من عشرين يوماً لأطفال فلسطين ونسائها وشبابها تحت أنقاض منازلهم والمستشفيات بسبب قصف العدوان الإسرائيلى المستمر على قطاع غزة، الذى لم ينقطع حتى لو لساعات قليلة طوال الأسبوعين الماضيين، مخلفاً آلاف الشهداء والجرحى.
بعدها بدقائق سألت نفسى: أين الأغنيات الجديدة التى من المفترض أن يتسابق نجوم الغناء المصريون على تقديمها كأحد أنواع الدعم النفسى والإنسانى لأهالى فلسطين الكرام.. وتذكرت أن القضية الفلسطينية دائماً ما كانت صاحبة مكانة مهمة ومتقدمة على أجندة أغانينا الوطنية؛ فنادراً ما وُجد مطرب مصرى لم يُغنِّ للقضية فيما مضى منذ العام 1948 عندما قدّم عبدالوهاب قصيدة «أخى جاوز الظالمون المدى»، خاصة بعدما وجدت الجمهور المصرى فى حالة استدعاء لأوبريت «القدس هترجع لنا» كلمات مدحت العدل ولحن الراحل رياض الهمشرى وتوزيع حميد الشاعرى، والذى شارك فى تقديمه أكثر من 35 فناناً، على رأسهم الراحلة هدى سلطان؛ والذى تم تقديمه عام 2000 إثر استشهاد الطفل محمد الدرة الذى هز كيان العالم؛ عاد الأوبريت ليطفو على السطح من جديد بعد 23 عاماً من تقديمه وذلك من خلال مواقع التواصل الاجتماعى.
إذاً فالجمهور ما زال يعيش رحلة بحث عن الأغنية المناصرة للقضية الفلسطينية؛ لعله يجد بها بعض الدعم النفسى أمام المشاهد الحزينة المؤلمة التى يعيش معها على الشاشة لأطفال غزة تحت القصف؛ ولأن لكل إنسان سلاحه فسلاح المطرب هو صوته، ومن أعظم واجباته كتابة وثيقة تاريخية بصوته للأحداث التى تمر بها الأمة.
لكننى فوجئت بحالة صمت غنائى أصابت مطربينا الذين انتظرنا سماع أصواتهم فى تلك الكارثة الإنسانية؛ باستثناء الفنان الكبير على الحجار الذى قدّم مساهمته فى القضية بأغنية «من سابع سما» التى تُعرض على جميع قنوات الشركة المتحدة كنوع من أنواع الدعم لأهالينا فى فلسطين؛ أغنية معبّرة بشكل دقيق عن معاناة الشعب الفلسطينى خلال الفترة الحالية؛ والأغنية تم تحضيرها وتنفيذها كما يبدو فى وقت قياسى حتى يتسنى عرضها بسرعة تلائم الحدث.
وكان المطرب الثانى فى القائمة هو أحمد سعد الذى قدّم أغنية «غصن الزيتون» فى موقف إيجابى بالتأكيد يُحسب له؛ وحتى كتابة هذه السطور لم يصدر أى عمل جديد بصوت أى من نجومنا الكبار الذين نعوّل عليهم دائماً لتوثيق أحداثنا الهامة؛ ولا أرى مبرراً واحداً لحالة الصمت الغنائى التى يعيشها مطربونا وكأنهم يبخلون على أطفال فلسطين بكلمة حلوة يشعرون معها بدعم الجميع لهم.
ربما يرى البعض أن الوقت ليس وقت غناء لإظهار التعاطف والمساندة؛ لكننى أتذكّر دائماً تأثير المطرب المصرى طوال تاريخنا؛ ولا أنسى أبداً الرحلات المكوكية لسيدة الغناء العربى أم كلثوم حول العالم لإقامة حفلات تعود أرباحها للمجهود الحربى ولمساندة الجيش المصرى العظيم فى حربه ضد الكيان الصهيونى؛ وبنفس المنطق أرى أن أغنيات جديدة بأصوات نجوم يحبهم العالم العربى كله، وتصل أصوات بعضهم إلى عدد كبير من دول العالم الغربى، أمر واجب لإثارة ضمير العالم حول الأزمة وتصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة لدى البعض فى الغرب، بل الأكثر من ذلك كسب تأييد للقضية فى كل أنحاء العالم الغربى.
أن تكون مطرباً محبوباً من الملايين فى رأيى هو تكليف من قبَل هذا الجمهور بأن تكون موجوداً وقتما وأينما يريدك هذا الجمهور؛ وحديثى هنا ينصب بشكل أكبر على كبار النجوم المؤثرين وأصحاب القاعدة الجماهيرية الأكبر فى العالم العربى كله والقادرين على مساندة الشعب الفلسطينى بما أوتوا من قوة تأثير؛ فالصمت فى أوقات الأزمات هو الموقف الذى سيدفع ثمنه الصامتون غالياً ممن انتظرهم الجمهور للتعبير عنهم بأصواتهم.