الثابت يقيناً أمام العالم -كشاهد عيان- أن إسرائيل لم تلتزم بكل ما تضمَّنه تقرير محكمة العدل الدولية، وتمادت فى عدوانها حتى التهديد باجتياح مدينة رفح الفلسطينية -الملاذ الآمن الوحيد- أمام أهالى غزة، ولم تلتفت لما قاله «أنطونيو جويتيريش»، الأمين العام للأمم المتحدة، بأن قرارات «العدل الدولية» مُلزمة، بموجب ميثاق الأمم المتحدة، والنظام الأساسى للمحكمة.
وسر عدم الالتزام الإسرائيلى يكمن فى «خطة الحسم»، التى يمكن اعتبارها الدليل الأقوى والأهم على ارتكابها جريمة الإبادة الجماعية فى غزة، مع سبق الإصرار.منذ سبع سنوات (عام 2017) كشف عضو الكنيست المتطرف «بتسلئيل سموتريتش»، عن خطته لحل الصراع مع الفلسطينيين، والتى أطلق عليها مسمى «خطة الحسم»، والتى اعتمدها فيما بعد المؤتمر العام لحزب الصهيونية الدينية (Religious Zionism) الذى يتزعمه.
وعقب انتخابات الكنيست (عام 2022)، ووصول الحزب إلى مفاصل صنع القرار فى الائتلاف الحاكم فى إسرائيل بزعامة «بنيامين نتنياهو»، تولى «سموتريتش» منصب وزير المالية فى هذا الائتلاف.الخطة بتفاصيلها تم نشرها فى مجلة «هاشيلوح» العبرية، واعتبرها المراقبون -آنذاك- إعادة إنتاج للخطاب الصهيونى المؤسس لـ«دولة إسرائيل» مع إضفاء للبُعد الدينى عليه.
ويؤكد «سموتريتش» فى خطته أن الأمل الوحيد لإنهاء الصراع (الفلسطينى/ الإسرائيلى) لن يتحقق إلا عبر خلق واقع عملى وسياسى يقضى على الوطنية الفلسطينية، ولا يسمح إلا بإقامة الدولة العبرية فقط بين نهر الأردن والبحر المتوسط.
وحسبما يرى زعيم حزب الصهيونية الدينية، فإن استمرار وجود تطلعين قوميين متعارضين على «أرض إسرائيل» سيفتح الطريق دوماً لسنوات عديدة أخرى من إراقة الدماء والصراع المسلح، ولن يتم حل تلك المعضلة إلا بتخلى الفلسطينيين -عن طيب خاطر أو بالقوة- عن تطلعاتهم فى إقامة دولتهم الوطنية، تحت أى مسمى حتى لو سلطة فلسطينية منزوعة السيادة، وعندها فقط يتحقق السلام، ويصبح التعايش بين الطرفين ممكناً.
وتطالب «خطة الحسم» بضرورة أن تكسب إسرائيل صراع الدولة، بدلاً من مجرد إدارته عبر تقديم حلول ومقترحات قديمة لن تفضى إلى شىء، عبر حل واقعى وممكن وعملى لإنهائه، ويضمن إحلال السلام الحقيقى.ويرى «سموتريتش» أن مقترح «حل الدولتين» غير واقعى، لأنه يصطدم بـ«الأيديولوجيا الصهيونية»، فالحد الأقصى الذى يمكن لليسار الإسرائيلى أن يقدمه يقل كثيراً عن الحد الأدنى الذى يرغب فيه الأكثر اعتدالاً من العرب.
وترى الخطة أن التناقض بين الطرفين سيظل ملازماً للصراع، لأن استمرار وجود الشعب الفلسطينى يشكل خطوة مضادة للحركة الصهيونية التى هى سبب وجود الفلسطينيين أنفسهم على الأرض، وأن قيام دولة فلسطينية على حدود (عام 1967) لا يمكن قبوله، لأنه محطة نحو العودة لـ«حيفا ويافا» وإقامة دولة عربية على أنقاض إسرائيل.
ويتمسك «سموتريتش» فى خطته بضرورة فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية، والتأكيد بحسم واضح، للعرب والعالم أجمع، أن الدولة الفلسطينية لن تنشأ على أرض الواقع أبداً، وللحديث بقية.