قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى برفع الحد الأدنى للأجور إلى 6 آلاف جنيه، بجانب قرارات اقتصادية اُخرى مهمة عكس بوضوح رغبة الرئيس فى تخفيف الأعباء عن المصريين، وعكس من جانب آخر تقدير الرئيس لحجم التضحيات التى تحمّلها شعب مصر العظيم، الذى وقف مع بلاده لإنجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى، وتحمل الكثير من الأعباء، لأجل وضع البلاد على الطريق الصحيح.
عندما بدأ الرئيس برنامجه للإصلاح الاقتصادى فى 2016 كان شديد الوضوح وهو يؤكد قبل إقراره هذا البرنامج، أن الطريق ليس سهلاً، ويحتاج إلى تضحيات، ثم عاد ليؤكد بوضوح للمرة الثانية وهو يعلن ترشّحه لفترة رئاسية جديدة فى العام 2018 أنه سيمضى قُدماً على نفس نهجه الصعب فى استكمال طريق الإصلاح الاقتصادى كشرط للاستمرار فى قرار ترشّحه من جديد، وقال بالحرف الواحد فى خطاب إعلان الترشح: «بس أنا برضو حقولكم زى ما قلت لكم المرّة اللى فاتت؛ إن كان فيه إرادة إلهية.. لأن هو مالك الملك، يعطى الملك ويهبه لمن يشاء، ويسبب له؛ حتتعبوا معاى قوى، آه طبعاً، مش معايا أنا.. حتتعبوا عشانها هيّ.. عشان مصر».
وفى ذلك نشرت وكالة رويتر للأنباء تقريراً بقلم مراسلها فى القاهرة «باتريك وِرْ»، فى 26 مارس 2018 أثناء الانتخابات الرئاسية فى ذلك الوقت أن: «الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى تمكن من إنعاش النمو الاقتصادى فى البلاد ومعالجة المشكلات الملحة المتعلقة بالكهرباء وإمدادات الغاز، لكنه يتعين عليه وهو يتجه إلى الفوز بفترة رئاسة ثانية المضى قدماً فى إجراءات التقشف فى إطار برنامج لصندوق النقد الدولى مع الحاجة إلى كبح التضخم».
وقال «وِرْ»: «إنّ الرئيس السيسى ورثَ اقتصاداً متداعياً حينما تولى منصب رئيس الجمهورية فى عام 2014، وهو ما استلزم إصلاحات عميقة أوقفت نزيف الاقتصاد بشكل كبير، لكنها فى الوقت ذاته أضرت معظم المصريين من خلال خفض قيمة العملة المحلية وتقليص الدعم».
يتساءلُ البعض: كيف لدولة هكذا اقتصادها أن تقوم بكل هذه المشروعات القومية الكبرى دفعة واحدة، تدشين والانتهاء من مشروع ازدواج قناة السويس خلال عام واحد، مشروعات الطرق الجبّارة التى صعدت بمصر وفق مؤشرات «ذا جلوبال إيكونومى»، فى جودة الطرق وانخفاض عدد الحوادث، من المرتبة 128 إلى المرتبة 29، ليرتفع تصنيفها 100 درجة فى عام واحد، متفوقة بذلك فى معدل الارتفاع بالجودة على معدلات تركيا وإسرائيل وكندا والصين ومعظم الدول الأوروبية، ثم وتعميق ارتباط سيناء الحبيبة بجسد الوطن عبر حزمة من الأنفاق العتيدة أسفل مجرى قناة السويس، لتنتهى معاناة شبه يومية كان يعيشها مئات الآلاف من المواطنين فى العبور من وإلى سيناء فوق العبّارات، ثمّ وعلى هذا الوضع تقضى الدولة على واحد من أخطر الأمراض المتوطنة لعقود فى البلاد - فيروس سي - دون ضجيج أو مباهاة.
وفى خطابه لافتتاح فعاليات النسخة الرابعة من منتدى شباب العالم، يوم الأربعاء 12 يناير 2022 قال الرئيس: «ما بنخبيش حاجة.. بنقول كل حاجة.. بنقول للناس كل حاجة»، وأضاف «لما جينا نعمل الإصلاح الاقتصادى كان ده إجراء يعنى بيتم التحسب منه كثيراً، خايفين من رد فعل الرأى العام والشعب على إجراءات صعبة أنا بتكلم على نوفمبر 2016».
وتابع: «هنا فى المؤتمر ده يهمنى إن أنا أسجل احترام وتقدير وتحية كبيرة جداً لشعب مصر، لأن احنا لما كنا بنناقش الموضوع ده على المستوى المصغر فى الحكومة كانت الأجهزة والوزارات متحسبة جداً للموضوع لكن أنا كنت مراهن على الشعب المصرى وكنت مراهن على المرأة المصرية وقلت البرنامج ده يُمرر والناس هتقبله وهتتحمله».
الرئيس السيسى كان شديد الوضوح فى كل مرّة يتحدث فيها عن البرنامج الإصلاحى، لم يخدعنا فى جملة واحدة، وهو يؤكد مراراً وتكراراً أن طريق الإصلاح مؤلم ويحتاج إلى تضحيات، وقال الرئيس خلال فعاليات القمة الدولية لميثاق التمويل العالمى الجديد فى 22 يونيو 2023: «كل الأمور كانت مبشرة جداً، لو استمررنا بهذا الشكل فسوف نحقق الهدف الذى عملنا من أجله برنامج الإصلاح». وأضاف: «أزمة كوفيد- 19 والأزمة الروسية الأوكرانية كان لهما تأثير سلبى على المسارات التى تحققت فيها النجاحات المختلفة وتراجعت بشكل ملحوظ». لاحظ الوضوح، الرئيس نفسه يؤكد تراجع بعض النجاحات الاقتصادية بسبب هذه الأزمات، لم يقل «لا.. إحنا زى الفل».
لتأتى حرب غزة وما أحدثته من أثر اقتصادى سلبى فى مجالات عديدة على رأسها مدخولات مصر الدولارية من قناة السويس، والسياحة، لتؤكد أن هذا الاقتصاد صامد رغم ما أصابه من هزّات عنيفة لم يكن ليُعرف وقعها على المصريين لو لم تبدأ مصر برنامجها فى الإصلاح الاقتصادى. استطاع هذا الاقتصاد أن يصمد، وعليه اتكأ الرئيس بأمان وهو يعلن الزيادة الجديدة فى الحد الأدنى للاُجور. حقاً لم يضيّعنا الرئيس.