الكتابة عن الكاتب الكبير الراحل صالح مرسى تحتاج لمقدمات كبيرة وعديدة، لعدة أسباب، على سبيل المثال لا الحصر، هو الذى فتح الباب لأدب الجاسوسية فى الدراما التليفزيونية المصرية والعربية، كما أنه وصل للقمة التى لم يصل إليها أحد من بعده.. البحار مرسى على غرار روايته الشهيرة «البحار مندى»، ولأنه عمل بحاراً فى الحقيقة، قبل أن ينتقل لعالم الأدب التليفزيونى، لذا ليس غريباً أن نجده سابحاً فى أعماق أدب الجاسوسية المصرية والعربية.. الكاتب الكبير صالح مرسى المولود فى السابع عشر من شهر فبراير لعام 1929، أى هذا العام نحتفى بعيد ميلاده الخامس والتسعين، طيب الله ثراه.
صالح مرسى الذى دخل عالم الكتابة الدرامية من باب الإذاعة الكبير فى الستينات من القرن الماضى، قبل أن يقدم فيلماً سينمائياً متميزاً، ألا وهو «الكداب»، من بطولة كل من محمود ياسين، ميرفت أمين، مديحة كامل وكوكبة كبيرة من النجوم، ومن إخراج صلاح أبوسيف، وحقق هذا الفيلم إيرادات عالية. وبعده بثلاث سنوات تحديداً فى عام 1978، كان صالح مرسى على موعد مع نجاح سينمائى مدوٍّ من خلال فيلم «الصعود إلى الهاوية» لمديحة كامل ومحمود ياسين، إيمان، إبراهيم خان، إخراج كمال الشيخ، هذا الفيلم الذى اعتذرت عنه سعاد حسنى خوفاً من رد الفعل ضد دور الجاسوسة، فذهب الدور لنجلاء فتحى فطلبت تعديلاً وهو شعور الجاسوسة بالندم، فتم رفض الاقتراح وذهب الدور لمديحة كامل التى وافقت على الدور دون قيد أو شرط، وأصبح هذا الدور «وش الخير» عليها، حيث إنها أصبحت بطلة مطلقة فى السينما وودعت الأدوار الثانية للأبد بسبب هذا النجاح غير المسبوق، كما حصل الفيلم على أغلب جوائز الدولة فى هذا العام.
ومن السينما إلى التليفزيون، دخل صالح مرسى بـ«رجله اليمين» من خلال مسلسل «صيام صيام» من بطولة يحيى الفخرانى، هذا المسلسل الذى يعد نقلة كبيرة فى مشوار يحيى الفخرانى التليفزيونى سأذكر السبب فى وقت لاحق، وفى نفس العام قدم تجربة الزعيم عادل إمام المتفردة ألا وهى «دموع فى عيون وقحة» من إخراج يحيى العلمى إنتاج 1980، أى منذ 44 عاماً بالتمام والكمال.
بعد النجاح الكبير جداً لهذا المسلسل، قرر كل من الكاتب الكبير صالح مرسى وصديقه المخرج الكبير يحيى العلمى والزعيم عادل إمام تكرار تجربتهم ونجاحهم المدوى والمرعب فى مسلسل آخر، فوقع اختيار الثلاثى على تقديم «رأفت الهجان»، إلا أن الزعيم عادل إمام كان له رأى آخر، حيث حكت لى أمل صالح مرسى القصة بالتفصيل كالتالى: وصل الخلاف بين أبى والزعيم عادل إمام للطريق المسدود حول رؤية كل منهما لطريقة سرد الأحداث فى المسلسل، فوالدى يرى أنه لا غنى عن الفلاش باك كطريقة للحكى، بينما الزعيم يرفض الموت فى البداية، ويرى فى الفلاش باك إضعافاً للأحداث وقوتها، لذا يريد أن تسير الأحداث على طبيعتها، وساعات طويلة من الشد والجذب فى جلسة مطولة حضرها عدد من المسئولين، والمخرج الكبير الراحل يحيى العلمى، وحين هم «مرسى» للذهاب لمنزله شعر بآلام شديدة فى صدره، دخل على أثر تلك الآلام «طوارئ مستشفى المعلمين» بجوار منزله فى المهندسين، وتم تشخيصها بـ«ذبحة صدرية» لكن تم إنقاذه بمعجزة إلهية إن جاز التعبير.
ومن المواقف التى لم تنسها «أمل صالح مرسى» حتى الآن، منظر المخرج الكبير «يحيى العلمى» وهو يقف خلف شباك العناية المركزة باكياً ثم يقول لصديق عمره: «قوم يا صالح وأنا هأعمل اللى أنت عايزه، وعد»، وبعد أن بدأ صالح مرسى فى الإفاقة من الذبحة الصدرية كان شرطه الوحيد ألا يلعب دور البطولة الزعيم عادل إمام لأنهما لن يتفقا مرة أخرى، فكلاهما كبير فى مجاله، عادل زعيم فى الفن، وهو زعيم فى الكتابة لهذا النوع من الدراما التليفزيونية، وتصاعد الأمر حيث إنه أبلغ «مرسى» بأدبه الجم بعض المسئولين ونقل لهم رغبته فى البحث عن بديل لعادل إمام فى دور البطولة قائلاً: «لو حضراتكم عايزين عادل إمام ممكن تشوفوا حد تانى يكتب هذا المسلسل».