مشاهد صحوة الضمير الإنسانى فى دول العالم الأول التى تطل علينا من حين إلى حين تُثبت أن الإنسانية لا تزال بخير، لكنها تظل دون صدى فعلىّ لها عند حكام هذه الدول، الذين لم تحرّكهم الأفعال الوحشية التى ترتكبها إسرائيل بشكل يومى، وراح ضحيتها ما يزيد على ثلاثين ألف فلسطينى، وما يزيد على 70 ألف مصاب ومفقود.
إن مشهداً مثل هذا الذى جرى أثناء فعالية معهد السياسة العالمية بجامعة كولومبيا فى فبراير الماضى، حينما قاطع المتظاهرون هيلارى كلينتون أثناء حديثها، وهتفوا ضدها: «أنتِ مجرمة حرب»، يؤكد أن كثيراً من مكونات المجتمع الأمريكى ترفض سياسات الإدارة، ولا توافقها الرأى فى دعمها اللامحدود لإسرائيل.
المشهد السابق لم يكن المشهد الوحيد فى الداخل الأمريكى، فقد قاطع متظاهرون مؤيدون لغزة ليندا جرينفيلد، مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، وهتفوا ضدها أيضاً بعبارات قاسية: «ليندا ليندا ارفعى يديك.. لقد قتلتِ أطفالاً على أرض مسروقة.. فلسطين حرة»، لتنتفض القاعة مرددة: «فلسطين حرة.. فلسطين حرة».
إن هذه المشاهد التى تجسّد رفض الشعوب الغربية لحكوماتها تُعد الأمل الذى يُعيد دول العالم الحر إلى رشدها؛ عندما تتم ترجمة هذا الرفض فى صناديق الاقتراع، أو على مدى منظور عندما تصل هذه الأصوات إلى دوائر القرار فى بلادها.
إن خطوة كتلك حتماً ستؤتى ثمارها فى أمدٍ منظور، خاصة بعدما تعهَّد أكثر من 200 برلمانى من 12 دولة بمحاولة إقناع حكوماتهم بفرض حظر على مبيعات الأسلحة لإسرائيل، حتى لا يكونوا متواطئين فى «انتهاك إسرائيل الخطير للقانون الدولى» فى هجومها على غزة.
ويرى البرلمانيون أن الحكومات التى تزود إسرائيل بالأسلحة معرَّضة للطعن القانونى، نظراً لحجم الدمار فى غزة الذى يقولون إنه يتجاوز أى تعريف للدفاع عن النفس أو التناسب.
الموقِّعون جميعهم نواب فى البرلمانات التى تسمح حكوماتها ببيع الأسلحة لإسرائيل، تسعة منهم من القادة الحاليين أو السابقين للأحزاب السياسية، وفق ما ذكرته صحيفة «الجارديان» البريطانية.
ورغم أهمية الخطوة فى إعادة بث روح التفاؤل فى شعوب العالم الأول، فإنها كذلك تكشف روح عدم الاكتراث، فقد سبقتها رسالة مماثلة انطلقت مطلع الشهر الماضى، عندما وقَّع أكثر من 800 مسئول حكومى من أمريكا وأوروبا وبريطانيا على رسالة علنية تنتقد دعم حكوماتهم لإسرائيل، غير أنهم، رغم تحذيرهم من ذلك الأمر، يؤكدون: «مخاوفنا المهنية يتمّ تجاهلها لاعتبارات سياسية».
هذه الصور الشعبية الرافضة لسلوك حكوماتها والمطالبة بالتوقف عن «الادعاء أمام الجمهور بأن هناك مبرراً استراتيجياً يمكن الدفاع عنه وراء العملية الإسرائيلية، وأن دعمها هو جزء من مصالح بلداننا»؛ ترى أن إسرائيل، مثلها مثل كل الدول، لا بد أن تخضع للمساءلة عن المعايير الإنسانية الدولية وحقوق الإنسان التى تنطبق فى أماكن أخرى.
هذه المواقف الشعبية التى لا تزال تصرخ فى وجه حكوماتها دون أن تجد آذاناً مصغية لها من متخذى القرار فى بلدانها، إنما تشكل صورة لشعوب تمتثل بصدق لضميرها الإنسانى تجاه قضية باتت وصمة عار فى جبين دول العالم.