ظل الأمن القومى لأى بلد يعنى حماية حدود هذا البلد.. حتى تطور ليصبح تعريفاً عريضاً جداً بلغ حد تأمين تدفق المعلومات وشبكات الاتصال الدولية إلى البلد المقصود.
فى مصر كان الأمر مختلفاً.. أضيف إلى الحدود تأمين مصادر المياه.. هذه الأرض التى يشرب الناس ويروون أراضيهم من خارج حدودهم وأى تأثير على ذلك أو إرباك فيه سيؤدى إلى مخاطر كبيرة ولذلك كانت مهمة أى حاكم لمصر حماية حدودها.. وتأمين مصادر المياه.. ولكن ظل على الدوام ولمئات أو حتى قل آلاف السنين الخطر العسكرى -العسكرى- الخارجى على البلاد يأتى من الشمال الشرقى.. كل غازٍ وكل عدو وكل مهدد لأمن مصر جاء من هناك.. وهو ما دعا الكثير من حكام مصر وحتى تأسيس دولة حديثة بنظامها الجمهورى على أيدى أبناء الجيش العظيم فى ١٩٥٢ إلى اعتبار الأمن القومى المصرى يمتد حتى الشام وجنوباً إلى حدود نهر النيل.. وظل الأمر كذلك بين استعداد وجهوزية للشمال الشرقى وبين علاقات جيدة مع الجنوب لعشرات السنين!
فجأة.. تجد مصر نفسها ومصالحها بين نيران مشتعلة فى كل مكان.. الأمن القومى المحدد سلفاً فى الشمال الشرقى كله فى خطر.. سوريا تتعرض لمؤامرة كبيرة وبات وجودها ذاته فى خطر وتحولت إلى مرتع لكل أعدائها على أرضها يتقاسمون النفوذ فوق ترابها.. وقوى شيطانية تمزقها وتعيدها للوراء مئات السنين ورغم صمود سوريا الأسطورى بتضحيات كبيرة إلا أن انعكاس ذلك على مصر بقى محل اهتمام بالغ من القيادة المصرية التى لعبت دوراً كبيراً فى تأكيد وحدة سوريا.. الحفاظ على مؤسساتها الوطنية وبينما ذلك يجرى تجد مصر حدودها الشرقية محل تهديد بالغ من قوى متطرفة تقف على أراضى البلد الشقيق وعند حدودها الطويلة التى تصل إلى ١٢٠٠ كيلومتر، وهو ما يفرض التزامات كبيرة بين العسكرى والأمنى والسياسى!
ولم تهدأ الأوضاع فى سوريا وليبيا حتى تفجرت الأوضاع فى اليمن التى تفرض على صانع القرار المصرى أعباء إضافية فى تأمين الأمن القومى المصرى إلى نطاقه على محوره الجنوبى الشرقى عند مدخل البحر الأحمر حيث تجارة العالم القادمة والعائدة عابرة على أرض مصر من أهم ممر بحرى فى العالم فضلاً عن المساعى المبذولة لإطفاء نيران اليمن الشقيق!
وبينما ذلك يجرى تنفجر الأوضاع فى السودان عام ٢٠١٨ ويرحل على أثرها عمر البشير وما أن استقرت الأوضاع فى البلد الشقيق منذ ذلك الحين حتى اشتعلت بالكامل العام الماضى لتسهم الأوضاع هناك فى أعباء أمنية على حدود ممتدة لأكثر من ١٢٧٦ كيلومتراً تعج بمهربى السلاح والمخدرات، فضلاً عن عبء النازحين من هناك الفارين من جحيم المعارك!
ولم تكن الأحوال فى فلسطين بعيدة عن ذلك بل انفجرت الأحداث فيها أكثر من مرة خلال السنوات الماضية أبرزها ٢٠٢١ وقدمت مصر مشروعها لإعادة إعمار غزة وقبل أن يهنأ الأشقاء بما قدمته مصر تنفجر أحداث ٧ أكتوبر لتكون النيران على الاتجاه الاستراتيجى الشرقى ممتداً من سوريا إلى غزة!
والمتأمل للمشهد يدرك حجم الخطر والمخاطر التى تحيط بمصر.. من نيران محيطة من كل مكان وتحول الأصدقاء عن صداقتهم!
وبين كل ذلك تواجه مصر كل المخاطر.. وتلعب دوراً بارزاً للحفاظ على وحدة وتراب كل بلد عربى شقيق.. أما عن غزة ورغم الجهد المصرى على كافة المسارات سياسياً وإنسانياً.. من جهد للرئيس عبدالفتاح السيسى مروراً بالحكومة المصرية إلى وزارة الخارجية المصرية إلى جهاز المخابرات العامة العظيم إلى الهيئة العامة للاستعلامات إلى الهلال الأحمر المصرى إلى الجمعيات الأهلية الخيرية المصرية فى تكامل وتناغم يعمل كجهد موحد وفى اتجاه واحد من أجل الأشقاء..ورغم ذلك فالموضوع يستحق مقالاً مستقلاً لاحقاً بإذن الله.