نعانى للشهر الثامن على التوالى من مشاهدة مجازر إسرائيلية ضد أشقائنا فى قطاع غزة ونحزن حزناً عميقاً جراء وحشية الدولة الصهيونية من جهة وتجاه الولايات المتحدة الأمريكية التى تجاهر بلا حياء بمساندتها التامة لدولة الاحتلال وتزويدها بأشد الأسلحة فتكاً، بل وتضغط على أى دولة تستنكر ممارسات الدولة التى تستهتر بالقوانين والقيم الدولية ويتصرف رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو وكأنه يحكم العالم وأن أى همسة عتاب لمجازره ضد عشرات آلاف المدنيين العزل فى غزة تجابه بصفاقة بأنها معاداة للسامية، أى أن «نتنياهو» يستطيع ممارسة أبشع وأحط المذابح دون السماح بأى انتقاد باعتبار أن مجرد الاعتراض أو الانتقاد يعتبر بالنسبة له معاداة للسامية.. ونتجرع يومياً مرارة صمت العالم حيال حرب التجويع التى تطبقها دولة الاحتلال لإبادة مَن نجا من أسلحتها الفتاكة. وتنفطر قلوبنا ونحن نشاهد أبناء غزة يطارَدون من بقعة إلى أخرى وكأنهم لا يحق لهم الاستقرار فى مناطقهم، لأن «النتن» يتسلى بمشاهدتهم وهم يتنقلون بفزع وألم من منطقة لأخرى ويتركون خلفهم بأسى عميق مساكنهم المدمرة.. وسط كل هذه المشاعر التى أنهكتنا طوال الأشهر السبعة الماضية، أعلنت منظمة حماس قبولها لوقف إطلاق النار، فخرج أبناء القطاع من مختلف الأعمار يعبرون عن فرحة عارمة وكأن القدر قد استجاب لأملهم بمواصلة حياتهم بهدوء مثل بقية البشر.. عبر الشباب عن سعادتهم المفقودة بوقف النار التى اكتووا بها أكثر من مائتى يوم، كل يوم منها بدهر من العذاب والمعاناة.. فرحنا معهم، وبالأحرى فرحنا لفرحتهم المستحقة وانتظروا ونحن معهم استمرار حالة وقف إطلاق النار، وقد تنفسوا الصعداء بانتظار تحقيق هذا الأمل.. وهو أبسط حق من حقوق الإنسان.
لكن دولة الاحتلال تجاهلت ذلك، وكأنها تستكثر على الشعب المقهور تحت احتلال شهد الجميع بوحشيته البالغة، الفرحة باستعادة الهدوء الذى حرموا منه دون جريرة.. اجتاحت مظاهرات التعبير عن الفرحة القطاع بكامل أبنائه لعدة ساعات، لكن مجرم الحرب الذى لا يجد من يردعه، استأنف القصف العنيف ملتهماً الفرحة العابرة وماضياً فى غيه، فكانت الصدمة مروعة، وتبخر الأمل فى دقائق، وعاد الحزن يسود القطاع الشهيد، ويقتحم فرحتنا، بغلاظة صهيونية.. أعترف أننى شخصياً لم أبك بحرقة مثل تلك التى انتابتنى لحظة استئناف القصف بضراوة وخنق فرحة الأشقاء فى القطاع وأنا أردد: «يا فرحة ما تمت.. أخدها الغراب وطار».
وأظن أننى لست وحدى مَن شعر بفداحة القصف الصهيونى هذه المرة، ربما أشد قسوة من الأيام المائتين التى عشناها فى ضنك وعجز فى فهم مبررات هذه الحرب القاتلة.. ولا أحد يعرف مَن يحركون عمليات قتل النساء والأطفال وكبار السن من المدنيين العزل دونما أدنى اعتبار للقانون الدولى، وكذلك دون أن تحقق دولة الاحتلال أياً من أهدافها، فلا هى قضت على منظمة حماس، التى يعيش معظم قادتها خارج القطاع، ولا هى استعادت الرهائن الذين تحتجزهم المنظمة ولا أجبرت الغزاويين على الاستسلام رغم حربها المستعرة ضد شعب أعزل مما أسقط أكذوبة أنها دولة بجيش لا يقهر أو بأنها رمز ديمقراطى، حيث استهجن الأحرار فى العالم هذه الديمقراطية المزيفة وكتبت حرب غزة بداية سقوط أسطورة الدولة الصهيونية التى تأسست على أكذوبة خبيثة.. معاداة السامية.