كنت فى طريقى إلى المصعد حين قابلتنى زوجة حارس العمارة، وكانت الهالات تحيط بعينيها، بدت لى مريضة جداً، فوقفت لأسلم عليها وأستفسر حول سبب الإرهاق الشديد البادى عليها، قبل أن تعاجلنا الجارة فى الدور الثامن، وكانت تبدو منهكة جداً أيضاً، تثاءبت قبل أن تلقى السلام، ثم وجهت لى السؤال ذاته الذى وجهته أنا إلى زوجة الحارس، فى هذه اللحظة اكتشفت أننا لم نكن سوى ثلاث سيدات يرغبن بشدة فى النوم، ولا شىء سواه، لكن واحدة منا لن تناله، فابنة جارتى كانت حرارتها مرتفعة، عادت بها للتو من عند الطبيب وهى بحاجة إلى المتابعة على مدار الليلة التى بدا أنها ستكون طويلة، وزوجة الحارس على ذراعها طفل لم يكمل شهره الثالث، وأنا التى عجزت حتى هذه المرحلة أن أدع طفلىّ ينامان وحدهما، ما زلت أعجز عن النوم فى كل ليلة لأسباب مختلفة، وجديدة فى كل مرة.
عدد ساعات النوم الطبيعى يتراوح بين 7 و9 ساعات فى الليلة الواحدة، وصدقنى فالمسألة لا تتعلق بكم الساعات، ولكنها تتعلق فى الأساس بالكيف، أن تنام نوماً متصلاً بلا مرات عديدة للاستيقاظ من أجل أسباب مختلفة، كشرب الماء، ودخول الحمام، والأحلام السيئة، وسواها من الأسباب.
لم أنس قط تلك الدراسة التى حملت عنوان «ليالى الأرق عند الأمهات وعلاقتها بتسارع الشيخوخة»، حيث خلص باحثون إلى أن النوم المضطرب الذى تعانيه الأمهات خلال الشهور الستة الأولى فقط بعد الولادة، يمكن أن يضيف 3 إلى 7 سنوات إلى العمر البيولوجى للمرأة، وانتهت الدراسة التى تم إجراؤها على 33 سيدة أنه وعقب تحليل الحمض النووى لديهن أثناء وبعد الحمل، تبين أن المسألة تذهب لما هو أبعد من مجرد إرهاق وتعب تشعر به الأم، حيث وجدت مؤلفة الدراسة الأولى، جوديث كارول، الأستاذة بجامعة كاليفورنيا، أن الأمهات اللواتى ينمن أقل لديهن تيلوميرات أقصر فى خلايا الدم البيضاء، وهو ما يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية والموت المبكر، ليس هذا فحسب، حيث تقول جوديث: «إن الحرمان من النوم فى الشهور الأولى للولادة لديه تأثير دائم على الصحة البدنية، حيث يؤدى النوم لوقت أقل من 7 ساعات فى الليل إلى الإضرار بالصحة وزيادة مخاطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالعمر»، حسناً، كلما صادفتنى تلك الدراسة أضحك من قلبى، هم يتحدثون عن الشهور الستة الأولى، لكن ماذا عن السنوات الطويلة التالية؟
الحق أننى ظللت لأربع سنوات على الأقل من دون نوم كاف، والحق أيضاً أننى عانيت لأيام طويلة من الشعور بالنعاس طوال الوقت، والإنهاك الشديد، وهو أمر ليس غريباً، فبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأمريكية، يتسبب الحرمان من النوم فى الإصابة بالاكتئاب، كما يفاقم من اكتئاب ما بعد الولادة الذى يصيب واحدة من كل 8 أمهات.
ربما يقدم هذا تفسيراً ولو بسيطاً لكم الصراخ الذى صار مادة للتندر بشأن الأمهات، كل هذا الغضب، والضيق، والشعور بانعدام السيطرة على الأمور، مقابل طاقة كبيرة لأطفال يحتاجون لشخص فى كامل لياقته العقلية والبدنية، يشبه الأمر سباق السلحفاة مع الأرنب، حيث المعادلة بسيطة وواضحة، أم مرهقة، ينقصها النوم + طفل بكامل لياقته يريد أن يلعب = شكوى متواصلة وعلاقة مضطربة، تتطور لاحقاً شيئاً فشيئاً مع العديد من الأسباب الإضافية إلى حوادث مؤسفة، يمكن تلافيها ببعض من المساعدة والمساندة، والاهتمام بأن تنال الأم قسطا كافياً ووافياً من النوم، وهنا أستعير اقتباساً معبراً من رواية عزازيل يقول: «النوم هبة إلهية لولاها لاجتاح العالم الجنون».