الجمود هو الدليل الوحيد القاطع فى نتائج الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى، منذ أربعينات القرن الماضى.
هذا الجمود، هو نتاج لطغيان التوقعات.
طغيان التوقعات، إحدى دلالات التحليل بالتمنى.
بعد كل صدام تُخلق تصورات، أن القضية قابلة لإعادة التموضع، وفق قواعد عادلة، لكن لا شىء يُحل، مهما كانت صدمة المواقف أو حديتها وإن كانت شكلية فى بعضها.
لا توجد رغبة حقيقية لدى الطرفين فى الحل، وفق معطيات اللحظة الراهنة.
هذه الرغبة المعطلة، هى نتاج لمعتقد، بأن كل طرف يمكنه هزيمة الآخر كلياً.
فلسطين المنقسمة على نفسها، بين طريقين؛ «المقاومة غير المدروسة عواقبها» و«القبول بالتفاوض»، رغم علم المتفاوض، بفشله مسبقاً.
أصحاب هذا الوضع الفلسطينى الداخلى المأزوم، غير القابل للترميم، فى المدى المنظور، يعتقدون بأنهم قادرون على العودة، رغم هشاشة وضعهم.
إسرائيل، نواياها قاطعة. لا تنظر لفلسطين بوصفها دولة مكتملة.
فى ظل مفاوضات أوسلو، وما صاحبها من زخم بأن الحل بات وشيكاً، قال إسحاق رابين، إن نظرته أو نظرة إسرائيل لفلسطين، بوصفها «أقل من دولة».
هذه النظرة الإسرائيلية المتعمقة فى الجذور، تعنى أنه لا يمكن حل الدولتين والعودة لحدود يونيو 67.. تعنى أيضاً، أنه لا يمكن تشكيل دولة فلسطينية فى صورة فيدراليات، لها سيادتها.
طرفا النزاع، ليسا أصحاب القول الفصل فى إنهاء الصراع، حتى وإن رضخ الطرف الأقوى، وهذا من باب طغيان التوقعات.
هناك أطراف أخرى، بعضها دول وبعضها من غير الدول أو من جماعات الضغط، لديها مصلحة فى استمرار هذا الصراع، طالما بقيت تتكسب منه.
متى بدأت الحرب، لا تنتهى. لا تنتهى أبداً.
متى بدأت الحرب، لم تعُد خالصة بين طرفين.
ستيفن والت، أستاذ العلوم السياسية الأمريكى، كتب فى «فورين بوليسى»، يناير الماضى، 5 أسباب تجعل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، لن ينتهى فى وقت قريب.
هذا الرجل، الذى كتب، فى رأيى، أحد أهم الكتب عن تأثيرات اللوبى الإسرائيلى على السياسة الخارجية الأمريكية، بمشاركة جون مارشايمر، فى 2007.. هذا الرجل، قدم توصيفاً دقيقاً لحالة الجمود القائمة، رغم سيولة اللحظة الراهنة:
- أهداف الطرفين غير القابلة للتجزئة وقناعة كل طرف بأنه قادر على الانتصار الكلى ومحو الآخر نهائياً.
- المعضلة الأمنية.. هناك شك وحالة من اللايقين، قائمة بين الطرفين، على كل المستويات، بأنه لا يمكن العيش، بلا هجمات متبادلة.
- التدخلات الخارجية، التى تتجلى صورها، طوال الوقت، على مسرح غزة.
- التطرف الإسرائيلى الفارض لنفسه، بفعل الحالة القائمة.
- ضغوطات اللوبى الإسرائيلى ونفاذه فى السياسة الأمريكية.
باليقين.. القادر على الحل لا يريد أن يحل، رغم الادعاء بغير ذلك.
أمريكا، عبر تاريخها الطويل، لم تكن جادة فى أى وقت من الأوقات، فى حل القضية الفلسطينية.
بايدن كما ريجان، فى 82، أوقف تسليم شحنات سلاح لإسرائيل، لكن ماذا بعد؟!
أبسط قواعد التفاوض، هى حيادية الوسيط.
كيف إذاً للمفاوضات القائمة أن تنجح، بينما يموّل أحد الوسطاء أحد طرفى الصراع بقنابل وأسلحة من طرازات حديثة، لم تستهدف سوى المدنيين.
إسرائيل، أكثر دولة فى العالم حصلت على تمويل عسكرى أمريكى من 1948 وحتى 2022.
فى 14 نوفمبر الماضى، كتبت سارة باركنسون، فى «فورين أفيرز»، مقالاً فى رأيى، هو الأكثر صوابية، فى ظل اللحظة السائلة، لاستشراف اليوم التالى فى غزة.
«أشباح لبنان.. لرؤية ما ينتظرنا فى غزة، انظروا للغزو الإسرائيلى فى 1982».
هذا المقال، الذى كتبته أستاذة العلوم السياسية، أجدد الشواهد على أن التاريخ يعيد نفسه دوماً.
ماركس، قال إن التاريخ لا يعيد نفسه، فإن فعلها، فهو فى المرة الأولى، دراما مُبكية وفى الثانية كوميديا ساخرة.
ولسوء حظنا، فى الشرق الأوسط، أننا لم نعرف سوى المبكيات.
شكل جديد للمقاومة يتولد الآن، فى غزة أو خارجها، ليستعد لجولة جديدة من الصراع. وسواء كانت حماس هى من تنثر هذا الشكل الجديد من المقاومة أم لا، فإن اليقينى أن المستقبل أكثر عنفاً.