«الأعراف والخبرات والعادات والتقاليد والحكمة» كلها تقول: (لا تتكلم والأزمة مُشتعلة، ولا تتحدث وأنت وسط النيران وانتظر حتى تُطفأ، ولا تُقيِّم الأمور إلا فى النهاية، ولا تُصدِر أحكاماً إلا بعد إسدال الستار على كل ما يجرى، ولا تُحلِّل الأوضاع إلا بعد سماع مشهد النهاية، ولا تُحلِّل المباراة إلا بعد صفارة الحَكم بانتهاء المباراة، وانتظر انتهاء الأزمة ثم أطلِق أحكامك، وعليك بالتروِّى والتزام الصمت فى البداية وتحلَّ بالصبر والكياسة ولا تتسرع فى إصدار تقييمك).
لكن على غير العادة، فضَّلتُ أن أتكلم الآن، نعم الآن أتكلم ونحن فى وسط أزمة حقيقية فى الكهرباء، أزمة هى حديث الرأى العام المصرى بالكامل، سأتكلم لكى أساعد على دفع سفينة الوطن للأمام، سأكتب دفاعاً عن تجربة خضناها معاً منذ (ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣) وما زلنا نخوضها حتى الآن، وقررت ألا أصمُت وألا أختبئ، وكان قرارى النهائى هو (المواجهة)، سأضرب عرض الحائط بكل نصائح عدد من المقربين منى الذين أوصونى بعدم الحديث الآن وبعدم التسرع وانتظار ما ستسفر عنه الأمور.
سأتكلم الآن ونحن فى خضمِّ أزمة -كلى ثقة أنها ستمر علينا بسلام- كبيرة لأننى وجدت خلال متابعتى للأوضاع الحالية أن هناك مَن يصطاد -مُتعمداً- فى الماء العكر، ومَن يتصيّد الأخطاء ويقوم بدور (الضاحك) علينا و(الباكى) على زمن «عدى وفات» طوينا صفحته جميعاً ولن يعود مهما كان ولو وقف على رأسه، ومَن يُشهر سيفه فقط ليبتزَّنا ويشمت فينا وكأنه ليس منا ويتبرأ منا فى عز الأزمة.
ومن يتعنتر وقت الأزمة ويعيش فى دور البطل المغوار ويُخرج لنا لسانه بكل برود مُتنصلاً من المسئولية التى يتحملها الجميع، ومَن كان يوالس ويمشى فى ركب الجماعة الإرهابية ويمسك لهم المايك فى المؤتمرات مؤيداً وحاملاً لهم المباخر على طول الخط.. قررت إبداء رأيى -بكل صراحة- وأنا مُتجرد من أى شىء، فليس لدىَّ حسابات مع أحد، وليس لدى توازنات مع أحد، ولست محسوباً على أى حزب من الأحزاب.
فقط أتكلم بصفتى مواطناً مصرياً مهموماً -مثلى مثل كل المصريين- بشئون مصر وهمومها.فى البداية، هل هناك أحد يُنكر أن هناك محاولات مُتعمَّدة لإفشال «مصر» وتركيعها؟ لا نُنكر، وكلنا يعلم وكثيراً «عشنا وشفنا» مطبات صعبة ووعِرَة، لكن بفضل الله مرت علينا بسلام.. هل هناك أحد لا يعترف بأن هناك محاولات كثيرة لإثناء «مصر» عن القيام بالدور المنوط بها للدفاع عن قضاياها التى تتعلق مباشرة بأمنها القومى؟
كلنا نعترف بما تفعله «مصر» للدفاع عن مصالحها والدفاع عن قضايا العرب وعدم الخضوع لأى ابتزاز أو مقايضة، ووقوفها موقفاً صلباً -سيُكتب لها- وبكل ثبات تتخذ مواقف مُشرِّفة، وبكل حكمة تتخذ القرار، وبكل قوة تتصدى لمن يحاولون الجور على المصالح العربية.
أعلم -تمام العلم- أن مهمة بناء الوطن (مهمة صعبة Task is difficult) وليست (مهمة مستحيلة Mission Impossible).
مهمة صعبة جداً لأننا نبنى الوطن بكل تجرد وبكل شرف وبعزيمة صلبة لا تلين وسط منطقة تشهد قلاقل ومواجهات وحروباً وصراعات مستمرة، وبصراحة: إن عمليات البناء التى شهدتها «مصر» تُقلِق الأعداء وتُغضبهم لأنهم يريدوننا مكسورين محتاجين ومغلوبين على أمرنا.. وبصراحة أكثر: لا بد أن نعرف أن ما بنيناه كثير، وما شيدناه كثير، وما أنجزناه كثير، وما حققناه كثير فى وقت قياسى.
«أزمة الكهرباء» شاهدة على صمودنا، لا بد أن نصمد، لا بد أن نُرَشد استهلاكنا، لا بد أن نعلم أنها أزمة طارئة، تم تشييد أكبر (٣) محطات كهرباء بالتعاون مع شركة سيمنز، تم التوسع فى محطات الطاقة الشمسية، تمت تلبية كل متطلبات المصانع الجديدة، وحدث ما لا تُحمد عُقباه فى منطقة الشرق الأوسط من عوائق فى حركة الملاحة الدولية، إلى مواجهات عسكرية مباشرة فى قطاع غزة على حدودنا الشرقية، تشترك فيها بطريقة غير مباشرة قوى دولية كبرى، مروراً بجائحة كورونا التى أصابت دول العالم.. إضافة إلى المواجهات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا.
وخلال تلك الأزمات المتوالية -التى تُركِّع أعتى اقتصاديات العالم- تأثرنا مثلنا مثل كل دول العالم وخرجنا -بفضل الله- بأقل الخسائر وبفضل صمودنا وتحمُّلنا.لدينا ثقة فى أننا سنصمد أكثر فى مواجهة كل هذه التحديات المهولة، لدينا ثقة بأننا سننجح فى مجابهة كل هذا بترشيد الكهرباء وبذل الجهود طوال الأيام القادمة حتى تمر هذه الأزمة ونحن كما نحن (إيد واحدة) دائماً وأبداً عاقدين العزم على قوة تحملنا، ونراهن على قوتنا التى لا تنفد ولا تنضب مهما حدث ومؤمنين بأننا بذلنا كل الجهود المُمكنة.