ظل الخال عبدالرحمن الأبنودى يراهن طوال حياته على اختلافه وتميزه، لذا ظل فى مقدمة الصفوف، راهن دائماً على كلمته المختلفة، موروثه الشعبى، وجملته الرنانة، وفكرته الصادقة الخالصة.
على سبيل المثال لا الحصر حينما طلبت منه النجمة الكبيرة نجاة العمل معه فى أغنية، جاء هذا الطلب بحماسة شديدة منها، كان يسكن وقتها فى حى الزمالك الشهير، من أول جلسة أخبرها أنها لم تغن طيلة حياتها الموال، قال لها: «إيه رأيك يا ست نجاة؟»، انبهرت نجاة بفكرته وقدرته على رصد مشوارها، فأخرج من جيبه كلمات أغنيته الشهيرة «عيون القلب»، التى تبدأ بموال ألا وهو «عيون القلب سهرانة ما بتنامشى.. لا أنا صاحية ولا نايمة ما بأقدرشى.. يبات الليل يبات سهران على رمشى.. وأنا رمشى ما داق النوم وهو عيونه تشبع نوم.. روح يا نوم من عين حبيبى روح يا نوم».
أعجبت نجاة جداً بالكلمات، لكن حدثت مفارقة غريبة جداً ألا وهى أنها طلبت منه تعديل كلمة «تشبع»، لكنه رفض بإصرار الصعيدى، قالت له «الشبع للأكل»، قال لها ليس صحيحاً وللنوم أيضاً.. ظل الجدال بينهما، المهم ذهبت نجاة وسجلت الأغنية لكنها احتفظت بها 11 عاماً كاملاً دون أن تطرحها للجمهور بسبب خوفها من كلمة «تشبع». وبعد أن طرحتها ظلت هذه الأغنية هى الأجمل والأهم فى مشوار كل من الثلاثى نجاة والأبنودى، والموسيقار الكبير محمد الموجى.
الأبنودى كان وما زال بعد وفاته يبحث المطربون والملحنون عن كلماته وأغانيه، وهذا إن دل على شىء فإنه يدل على تفرده الكامل وإخلاصه التام للكتابة والشعر والأغنية، وحكت لى ابنته آية الأبنودى أغنية «حبيبتى» التى كتبها والدها، هى فى الأساس وطنية، مؤكدة أن تلك الأغنية هى الوحيدة فى مشواره التى كتب فيها اسمها واسم شقيقتها «نور»، مشيرة إلى أن الكينج محمد منير قال لها ضاحكاً ذات مرة أنا غنيت اسمك انتى وأختك فى الأغنية، لأول مرة فى حياتى أغنى لواحدة فى الحقيقة.
كما حكت لى آية وكشفت عن سر لأول مرة ألا وهو أن والدها عبدالرحمن الأبنودى شارك فى غناء تتر لمسلسل لمرة وحيدة فى حياته حباً فى قصة المسلسل وإعجابه الكبير بها، كان فى مسلسل «ذئاب الجبل»، الذى كتبه محمد صفاء عامر وإخراج مجدى أبوعميرة وبطولة أحمد عبدالعزيز، سماح أنور، حمدى وعبدالله غيث، وشريف منير ووائل نور وآخرين.
وأحدث هذا المسلسل ضجة كبيرة وقت عرضه، وأصبحت الناس «بتتجمع على القهاوى»، على حد تعبير «آية» لمشاهدة هذا المسلسل كأنه مباراة مهمة فى كرة القدم، أو حدث سياسى مهم، بل أصبحت هذه الأغنية بمثابة نشيد وطنى يردده كل مطربى الربابة فى الصعيد، وتغنى فى الأفراح، وهذا الأمر يعد غريباً جداً، لأنها ليست أغنية رومانسية، إنما أغنية تتر لمسلسل يتحدث عن الثأر فى الصعيد، والكلمات ليست سهلة، لكن استطاع مسلسل «ذئاب الجبل» بأغانيه أن يلمس مشاعر أهل الصعيد، بل يعد هذا العمل من أكثر الأعمال جرأة فى تناول تلك القضية.
الحكايات عن الخال عبدالرحمن الأبنودى الذى رحل عن عالمنا فى الحادى والعشرين من شهر أبريل لعام 2015 لم تنته ولن تنتهى، لأنه كان وسيظل موال النهار والراعى الرسمى للأغنية الصعيدية، وإحدى أيقونات شعر العامية على مدار تاريخنا الكبير والطويل، رحم الله الخال وطيب ثراه.