ملامحه تشبه الفسدق، ينطق القليل من الكلام، يبتسم بتلقائية، يأكل القليل ويشرب بلا توقف، يسكن خرابة ويحب الماء، كان بيتاً جميلاً قبل أن يتحول البيت إلى خرابة، المكان خالٍ إلا من ركام وشجرة نبق، ما زال طرحها مثمراً جميلاً، يعيش «فسدق» فى ظل الشجرة، فى قلب سور الخرابة شباك، ومشربية وباب خشبى، فى الساحة ثلاثة عمدان.
يضيق «فسدق» من محاولات سكان الحارة رمى الزبالة والحجارة داخل الخرابة، فسدق يستيقظ من نومه قبل الفجر، يكنس ويحمل على كتفه الركام خارج الخرابة، ينظف ما يرميه السكان، حتى جاءت حنان ذات صباح، أحب فسدق الصباح، أحب كل صبح يُذكره بحنان، يخرج فسدق من الخرابة، يملأ كفيه بالنبق يوزعه غلى أطفال الحارة أثناء ذهابهم إلى المدرسة وهو يتمتم فى فرح: فسدق فسدق فسدق، فصار اسمه فسدق، حتى نسى الناس اسمه الحقيقى.
فسدق يعمل على مرجيحة، عند سيدى فرج، فى يوم بلا مقدمات ولا صباح تختفى حنان، فاختفت معها الشقاوة والجنون وسكن الهواء، حنان نسمته وهواه وحبه، كأنها تملك مفتاح الزمان، يدور بإشارة عينيها ويمرح بسلطان صوتها، تملك المكان والعصافير ونغمات الحسن، حنان قلب فسدق وصباحه، من بعد غياب حنان، لم يعد فسدق يعمل، يأكل النبق ويشرب الماء، ويتحمل سخرية النساء، يهاجمه الصبية والأطفال ويرمونه بالحجارة، فى كثير من الليالى يصارع بائعى المخدرات ويصاب بسكين أو بحجر، أو يقيدونه فى النخلة.
فى أحد الأيام بعد مقاومة تاجر مخدرات، ضربه بسنجة وتركه ينزف، لم يسانده أحد، حتى جاءت صبية فى يدها موبايل، تأثرت بحالة فسدق وهى تُخفى توترها تُصور فسدق بالموبايل، شيّرت صورة سقوط فسدق على الأرض وعيناه تنظران للسماء، عند الفجر يعرّض فسدق جرحه للندى، بعد أيام تختفى جراحه بماء الندى، ليظهر فسدق من جديد، يبتسم كما كان، ويرفض أن ترمى الجيران الركام فى ساحته، ويمنع البلطجية من دخول الخرابة، كلما يرفع فسدق وجهه للسماء تمطر، عندما تأتيه أنغام من شبابيك الجيران يتذكر حنان.
يرقص قلب فسدق حول الشجرة، يرتوى من المطر، يخرج فسدق من الخرابة يحمل النبق للأطفال، يفاجأ فسدق بطفل وجهه كالملاك، ويعطى فسدق لعبة الفقاعات «بابلز»، يفرح فسدق باللعبة، يجرى بها حتى مخبئه فى ظل الشجرة، ينفخ فسدق فى أنبوبة بلاستيكية، فتخرج فقاعات تملأ الفضاء من حوله، العجيب أنه ظل ينفخ فى الأنبوب وظلت الفقاعات تخرج بلا توقف، تطير فى أحجام كثيرة تملأ المكان حتى أصبحت المساحة كلها فقاعات بأحجام متباينة، كأنها حية مرنة لا تنفجر.
يدخل فسدق داخل الفقاعة، نعم يدخل فسدق فى الفقاعة، يصبح داخلها سعيداً يضحك، يطير ويسبح ينام ويحلم، يضحك ويبكى، يغنى ويصرخ، يناجى حنان ويذكر اسمها، فسدق داخل الفقاعة يعيش بلا مكان ولا زمن، تطير به الفقاعة فى سماء الفرج عند النيل وبين الشجر، يشاهد الحنان بحنان، فى يوم خروج الأطفال من المدرسة، الأطفال يلمحون فسدق داخل الفقاعة، يلعبون مع فسدق فى فرحة، لتتحول الخرابة إلى مزار، يشاهد الجميع فقاعات فسدق.
تغيرت الأحوال، والدوام محال، أصبح الناس فى البيوت وعلى المقاهى لا يذكرون إلا حكاية فسدق الذى يتنفس داخل فقاعة، فسدق الذى يطير فوق الأرض وبين السحاب، بسبب صدق حبه، آية فسدق «حب حنان»، بعد حين تبدلت السخرية إلى تبرُّك، أصبح فى خيال القصاصين والمخرجين والشعراء وكُتاب الأغانى، يزوره العلماء للعلم والدرس، يزوره رجال الدين للدليل والبرهان، ويأنس به الأطفال.
تحول مكان الخرابة إلى علامة، وتحول موقف الأوتوبيس والميكروباص إلى محطة فسدق، المنادى ينادى الزبائن، محطة فسدق شارع فسدق حارة فسدق، ولم يفكر أحد أن يطمئن على فسدق، الكل مشغول بالعلامات والآثار والكل نسى فسدق، الذى أحب حنان، وبصدق حبه أصبحت له كرامات، يختفى ذكر فسدق وينساه الناس، لم يشعر أحد أن فسدق اختفى، ولم يبقَ منه غير العلامة «محطة فسدق».